{عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى} أي: اختار الله لرسالته، وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، وقال عبد الله بن عباس، وسفيان-رضي الله عنهما-: هم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم. والمعتمد الأول؛ لقوله تعالى:{وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ}. {آللهُ خَيْرٌ أَمّا يُشْرِكُونَ:} ف: {خَيْرٌ} هنا ليس بمعنى أفضل، وإنما هو مثل قول حسان-رضي الله عنه-في هجاء أبي سفيان:[الوافر]
أتهجوه، ولست له بكفء... فشرّ كما لخير كما الفداء
إذ المعنى: فالذي فيه الشر فداء للذي فيه خير. وقيل: هو على بابه من التفضيل، والمعنى:
{آللهُ خَيْرٌ أَمّا يُشْرِكُونَ} أي: أثوابه خير، أم عقاب ما تشركون، أي: ما يتسبب من عبادة الأصنام من عقاب، وقيل: قال لهم ذلك؛ لأنهم كانوا يعتقدون: أن في عبادة الأصنام خيرا، فخاطبهم الله عز وجل على اعتقادهم، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا قرأ هذه الآية يقول:«بل الله خير، وأبقى، وأجلّ، وأكرم». وقال البيضاوي رحمه الله تعالى: هذا الكلام إلزام لهم، وتهكم بهم، وتسفيه لرأيهم؛ إذ من المعلوم أن لا خير فيما أشركوه رأسا؛ حتى يوازن بينه وبين من هو مبدأ كل الخير.
{آللهُ:} الهمزة: حرف استفهام، وقد مدت مدا لازما بقدر ست حركات، ولولا مدها لم يظهر الاستفهام، ويسمى هذا المد في أحكام التجويد بمد الفرق؛ لأنه يفرق بين الاستفهام والخبر؛ لأنه لولا المد لتوهم أنه خبر لا استفهام، وانظر الآية رقم [٥١] من سورة (يونس). أما {خَيْرٌ} فهو أفعل تفضيل، أصله: أخير، نقلت حركة الياء إلى الخاء قبلها؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ثم حذفت الهمزة استغناء عنها بحركة الخاء، ومثله قل في: حبّ، وشرّ اسمي تفضيل؛ إذ أصلهما: أحبب، وأشرر، فنقلت حركة الباء الأولى، والراء الأولى إلى ما قبلهما، ثم أدغم الحرفان المتماثلان في بعضهما، ثم حذفت الهمزة من أولهما، استغناء عنها بحركة الخاء والشين، وقد يستعمل: خير، وشر على الأصل، كقراءة بعضهم قوله تعالى:{سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ} بفتح الشين، ونحو قول رؤبة:[الرجز]
يا قاسم الخيرات وابن الأخير... ما ساسنا مثلك من مؤمّر
وخير، وشر، وحب يستعملن بصيغة واحدة للمذكر، والمؤنث، والمفرد، والمثنى، والجمع؛ لأنه بمعنى: أفعل كما رأيت. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الإعراب:{قُلِ:} فعل أمر، وفاعله مستتر فيه وجوبا تقديره:«أنت». {الْحَمْدُ:} مبتدأ.
{لِلّهِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلِ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. {وَسَلامٌ:} الواو: حرف عطف.
(سلام): مبتدأ. {عَلى عِبادِهِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول