للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحيحه من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-، فعم بالذم، والتهديد، والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله، وضاهاه في التشبيه في خلقه؛ فيما انفرد به سبحانه من الخلق، والاختراع، وهذا واضح. وذهب الجمهور إلى أن تصوير ما ليس فيه روح، يجوز تصويره والاكتساب به، وقد قال ابن عباس-رضي الله عنهما-للذي سأله أن يصنع الصور: (إن كنت لا بدّ فاعلا، فاصنع الشجر، وما لا نفس له) أخرجه مسلم أيضا، والمنع أولى، -والله أعلم- لما ذكرنا.

{أَإِلهٌ مَعَ اللهِ} أي: هل مع الله معبود أعانه على ذلك. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} أي: ليس معه معين على خلق ما ذكر، ولكنهم قوم يميلون عن الحق إلى الباطل، وهذا الفعل أحد الأفعال التي يتغير معناها بتغير الجار، تقول: عدلت عنه، بمعنى: أعرضت عنه. وتقول: عدلت إليه، بمعنى: أقبلت عليه. وقد جاء في قوله تعالى: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا} محتملا لمعنى الميل ومعنى العدل، وقد يجيء محتملا لمعنى الميل، ومعنى التسوية، وذلك كما في قوله تعالى:

{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} فإن جعلت الجار والمجرور {بِرَبِّهِمْ} متعلقين بيعدلون، كان المعنى إن الكفار يسوون الأصنام بربهم، وإن جعلتهما متعلقين بالفعل كفروا، كان يعدلون بمعنى يميلون، والمعنى: إن الكفار يميلون وينحرفون عن إفراد الله بالوحدانية، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

هذا؛ وللالتفات فوائد كثيرة: منها تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر، والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد، هذه فوائده العامة، ويختص كل موضع بنكت، ولطائف باختلاف محله، كما هو مقرر في علم البديع، ووجهه حث السامع، وبعثه على الاستماع؛ حيث أقبل المتكلم عليه، وأعطاه فضل عنايته، وخصصه بالمواجهة. وانظر شرح {ذاتَ} في الآية رقم [٢] من سورة (الحج).

الإعراب: {أَمَّنْ:} (أم): حرف إضراب بمعنى: «بل»؛ لأنها منقطعة عما قبلها بخلافها في الآية السابقة فإنها متصلة، كما رأيت. (من): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، خبره محذوف، وتقدير الكلام: أمّن خلق السموات والأرض كمن لا يخلق. وقد أظهر في غير هذه المواضع ما أضمر في هذه الآية كقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} الآية رقم [١٧] من سورة (النحل)، وعلى تقدير أبي حاتم: آلهتكم خير، أم من خلق السموات والأرض؟ يكون تقدير الخبر: خير، وعلى هذا تكون (أم) متصلة، وهو مردود، فالمعتمد: أنها منقطعة، وتقدير الكلام:

بل الذي خلق السموات خير. هذا؛ وإن اعتبرت (من) اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، وجملة:

{خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} في محل رفع خبره، فالمعنى صحيح، والكلام تام، لا يحتاج إلى تقدير خبر محذوف. هذا؛ وعلى قراءة: (أمن) فالهمزة للاستفهام وفي (من) وجهان: أحدهما: أن تكون

<<  <  ج: ص:  >  >>