للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التمييز بين الحق والباطل. انتهى. أي: لا يبحث عن سبب الاختلاف بين المذاهب، ويتعرف دليل كل مذهب، ووجهة نظر إمام المذهب، وهذا يعني: أن الإنسان إذا تعرف أسباب الاختلاف بين المذاهب الأربعة، لا يبقى عنده شك في أن كل مذهب على حق، ولكلّ وجهة الله مولّيه إياها.

{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها} أي: من الآخرة، فهم كمن تحيّر في أمر لا يجد عليه دليلا، ولا يهتدي إليه سبيلا، ولكنهم إذا أبصروا القيامة؛ أيقنوا بها، وزال شكهم فيها.

{بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ:} لا يدركون دلائلها؛ لاختلال بصيرتهم؛ وإن كانت لهم أبصار: {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. هذا؛ وواحد {عَمُونَ} عمو، وقيل: عم، أصله عمي، وقد مر معنا إعلال مثله، وعليه فجمعه: عميون، حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ولم يجز تحريكها لثقل الحركة فيها، وعليه فقد تصرف فيه بحذف لامه كقاض إذا جمع، وهو صفة مشبهة.

وفي السمين، يقال: عم: إذا كان أعمى البصيرة، غير عارف بأموره، وأعمى، أي: في البصر، وهذا قول الليث، وقيل: عم، وأعمى، كخضر، وأخضر. هذا؛ ولم يذكر هذا اللفظ في غير هذه السورة، وذكر بلفظ: {عَمِينَ} في الآية رقم [٦٤] من سورة (الأعراف).

بعد هذا في الفعل (ادّارك) اثنتا عشرة قراءة، أذكر بعضها والمعتمد منها: (ادّارك): أصله:

تدارك، وقد قرئ به أيضا، فأدغمت التاء في الدال بعد قلبها دالا، وتسكينها، ثم اجتلبت همزة الوصل ليمكن النطق بالساكن، ولهذه الكلمة نظائر، مثل: ادّكر، واطّلع، والطّيّر، وادّارأتم، وازّيّن؛ إذ الأصل: تدارأتم، وتزيّن، وقال تعالى في سورة (الأعراف) الآية رقم [٣٨]. {حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً} ومعنى القراءتين واحد، وفي معناه قولان: أحدهما: أن المعنى: بل تكامل علمهم في الآخرة؛ لأنهم رأوا كل ما وعدوا به معاينة، فتكامل علمهم به. والقول الآخر: أن المعنى: بل تتابع علمهم اليوم في الآخرة، فقالوا: تكون، وقالوا: لا تكون،

وقرئ: «(أدرك)» من الإدراك، وفي معناه قولان: أيضا: أحدهما: أن معناه: كمل في الآخرة، وهو مثل الأول، قال مجاهد: معناه: يدرك علمهم في الآخرة، ويعلمونها إذا عاينوها حين لا ينفعهم علمهم؛ لأنهم كانوا في الدنيا مكذبين. والقول الآخر: أنه على معنى الإنكار، وهو مذهب أبي إسحاق، واستدل على هذا القول بأن بعده: {بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ} أي: لم يدرك علمهم علم الآخرة. وقيل: بل ضلّ، وغاب علمهم في الآخرة، فليس لهم فيها علم انتهى. قرطبي بتصرف كبير.

هذا؛ وقد تفرد الجلال رحمه الله تعالى بقوله: {بَلِ} بمعنى «هل» التي للاستفهام الإنكاري، ومعناه: ليس الأمر كذلك. ولم يسلك هذا التقرير غيره، بل أبقوا «بل» على أصلها من الإضراب الانتقالي، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {بَلِ:} حرف إضراب، وانتقال. {اِدّارَكَ:} فعل ماض {عِلْمُهُمْ:} فاعل، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {فِي الْآخِرَةِ:} جار ومجرور

<<  <  ج: ص:  >  >>