النّاس يوما في أعظم المساجد على الله حرمة، وأكرمها على الله-يعني الحرام-لم يرعهم إلا وهي في ناحية المسجد تدنو، وتدنو كذا-وقال القرطبي: ترغو، وترغو-قال عمر: وما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من ذلك، فارفضّ الناس عنها، وتثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب، فمرت بهم، فجلت وجوههم، حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية، ثم ولت في الأرض، لا يدركها طالب، ولا يعجزها هارب، حتى إن الرجل ليقوم، فيتعوّذ منها بالصلاة، فتأتيه من خلفه، فتقول: يا فلان الآن تصلي، فيقبل عليها بوجهه، فتسمه بوجهه، فيتجاور الناس في ديارهم، ويصطحبون في أسفارهم، ويشركون في الأموال، يعرف المؤمن من الكافر، فيقال للمؤمن:
يا مؤمن! ويقال للكافر: يا كافر!».
وبإسناد الثعلبي عن حذيفة بن اليمان-رضي الله عنه-ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الدابة، قلت:
يا رسول الله: من أين تخرج؟ قال:«من أعظم المساجد حرمة على الله، فبينما عيسى يطوف بالبيت، ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض، وينشقّ الصّفا، مما يلي المسعى، وتخرج الدّابّة من الصّفا، أوّل ما يخرج منها رأسها، ملمّعة، ذات وبر وريش، لن يدركها الطالب، ولن يفوتها هارب، تسم الناس مؤمنا، وكافرا، فأما المؤمن؛ فتترك وجهه كأنه كوكب درّيّ، وتكتب بين عينيه: مؤمن، وأما الكافر؛ فتنكت بين عينيه: نكتة سوداء، وتكتب بين عينيه: كافر».
وروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنه قرع الصفا بعصاه؛ وهو محرم، وقال: إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه. وعن ابن عمر-رضي الله عنهما-قال: تخرج الدابة ليلة جمع، والناس يسيرون إلى منى. وعن أبي هريرة-رضي الله عنهما-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «بئس الشّعب شعب أجياد مرّتين، أو ثلاثا، قيل: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: تخرج منه الدابة، تصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين.»
وروي عن ابن الزبير-رضي الله عنهما-: أنه وصف الدابة، فقال: رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن أيل، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هرّ، وذنبها ذنب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا. انتهى. خازن ببعض تصرف، وهذا كله في القرطبي وزاد: أن الدابة فصيل ناقة صالح على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وصححه، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
{تُكَلِّمُهُمْ} أي: بكلام عربي فصيح. قيل: تقول: هذا مؤمن، وهذا كافر. وقيل: تقول ما أخبر الله به {أَنَّ النّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ} أي: بخروجي؛ لأن خروجها من الآيات. وتقول:
{أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ} وقولها هذا حكاية لقول الله عز وجل، أو على معنى: بآيات ربنا، أو لاختصاصها بالله، وأثرتها عنده، وأنها من خواص خلقه أضافت آيات الله إلى نفسها، كما يقول