أجورهم، ويتهرّبون من واجباتهم، والذين يسرقون، ويخونون، ويغشّون، ويختلسون، ويدخل في ذلك: القمار، والخداع، والغصوب، وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، كما يؤخذ بالحياء، إذ ما أخذ بالحياء؛ فهو حرام، أو حرمته الشريعة؛ وإن طابت به نفس مالكه، وحلوان الكهّان، والمنجّمين، والمشعوذين، وأثمان الخمور، والخنازير، وأثمان الملاهي الشاغلة عن ذكر الله تعالى، وربحها، بل وتجارتها حرام، والغبن الفاحش في البيع والشّراء، وأفحش ذلك أكل مال اليتيم بغير حقّ، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}.
{وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ:} الإدلاء في الأصل: إرسال الدلو في البئر، ثم جعل كلّ إلقاء، أو رفع لقول، أو فعل إدلاء، يقال: أدلى بحجته، أي: أرسلها، والمراد بالإدلاء هنا:
الدفع إلى الحاكم بطريق الرّشوة لأجل تغيير الحكم، وإضاعة الحق، وإقامة الباطل. والمعنى في الآية: لا تجمعوا بين أكل المال بالباطل، الّذي تقدّم ذكره، وبين الإدلاء إلى الحكّام بالحجج الباطلة، والدّعاوى الفاسدة. وهو كقوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} وقيل:
المعنى: لا تصانعوا الحكام بأموالكم، وترشوهم؛ ليقضوا لكم بالباطل على غيركم. وهذا القول يترجّح لأن الحكام مظنّة الرّشا، والحيف في الحكم، إلا من عصم الله، وهم قليل.
{لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ} أي: لتأخذوا قطعة، وجزءا، وقسما من أموال الناس. هذا؛ والفريق في الأصل يطلق على الجماعة، والطائفة من الناس، قال تعالى: {فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} الآية رقم [٣٠] من سورة (الأعراف) وقال جل ذكره في سورة (الشورى) رقم [٧]: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} هذا؛ والإثم: الباطل، والمعصية، والذنب. والإثم: اسم من أسماء الخمرة، قال الشاعر: [الوافر]
شربت الإثم حتّى ضلّ عقلي... كذاك الإثم يذهب بالعقول
{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ:} أنكم مبطلون، وتأكلون أموال الناس بالباطل.
الإعراب: {وَلا:} الواو: حرف استئناف. ({لا}): ناهية. {تَأْكُلُوا:} فعل مضارع مجزوم ب ({لا}) وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، {أَمْوالَكُمْ:} مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية مستأنفة لا محل لها.
{بَيْنَكُمْ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والكاف في محل جر بالإضافة. {بِالْباطِلِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وجوز أن يكونا متعلقين بمحذوف حال من واو الجماعة، أو من {أَمْوالَكُمْ} وجملة: {وَلا تَأْكُلُوا..}. إلخ مستأنفة لا محل لها، ولا يوجد مناسبة للعطف على ما قبلها.
{وَتُدْلُوا:} مضارع معطوف على ما قبله، فهو مجزوم مثله، وجوز أن يكون منصوبا ب «أن» مضمرة بعد الواو على اعتبارها للمعيّة، وعلامة الجزم، أو النصب حذف النون، والواو فاعله،