{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً..}. إلخ، والحالة الخامسة: أن الرياح ترفعها على وجه الأرض، فتظهرها شعاعا في الهواء كأنها غبار، فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجسادا جامدة، وهي في الحقيقة مارّة إلا أن مرورها من وراء الرياح كأنها مندكة متفتتة. والحالة السادسة: أن تكون سرابا فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا منها كالسراب، قال تعالى في سورة (النبأ): {وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً} هذا؛ ونقل عن أبي السعود: أن ما ذكر مما يقع بعد النفخة الثانية. وهو غير مسلم له، وإنما هو بعد النفخة الأولى. هذا؛ وانظر شرح (السحاب) في الآية رقم [٤٠] من سورة (النور).
{صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} أي: أحكم خلقه وسواه على ما ينبغي. والمعنى: أن الله تعالى لما ذكر ما فعل، وما يفعل في المستقبل، وكل ذلك لا يقدر عليه غيره؛ جعل خلق ما ذكر من الأشياء التي أتقنها، وأحكمها، وأتى بها على وجه الحكمة، والصواب. {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ:} عالم بظواهر الأمور، وبواطنها، فيجازيكم عليها، كما بينه في الآية التالية، ويقرأ الفعل بالياء.
قال الزمخشري رحمه الله تعالى: انظر إلى بلاغة هذا الكلام، وحسن نظمه، وترتيبه، ومكانة إضماده، ورصانة تفسيره، وأخذ بعضه بحجزة بعض، كأنما أفرغ إفراغا واحدا، ولأمر ما أعجز القوى، وأخرس الشقاشق، ونحو هذا المصدر إذا جاء عقيب كلام جاء كالشاهد بصحته، والمنادي على سداده، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان، ألا ترى إلى قوله تعالى:{صُنْعَ اللهِ} و {صِبْغَةَ اللهِ} و {وَعَدَ اللهُ} و {فِطْرَتَ اللهِ} بعد ما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم، كيف تلاها بقوله:{الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} و {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً} و {لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ} و {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ}. انتهى. هذا؛ وفي الآية طباق عجيب بين الجمود والحركة السريعة، فجعل ما يبدو لعين الناظر كالجبل في جموده ورسوخه، ولكنه سريع يمر مرا حثيثا، كما يمر السحاب.
الإعراب:{وَتَرَى:} الواو: حرف عطف. (ترى): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل ضمير مستتر تقديره:«أنت». {الْجِبالَ:} مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:{يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} فهي في محل جر مثلها. {تَحْسَبُها:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«أنت»، و (ها): ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول. {جامِدَةً:}
مفعول به ثان، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الجبال، والرابط: الضمير فقط.
{وَهِيَ:} الواو: واو الحال. (هي): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.
{تَمُرُّ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى الجبال، تقديره:«هي». {تَمُرُّ:} مفعول مطلق، وهو مضاف، و {السَّحابِ} مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله، والجملة الفعلية:{تَمُرُّ..}. إلخ في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية:{وَهِيَ تَمُرُّ..}. إلخ في محل نصب حال من الضمير المنصوب أيضا، والرابط: الواو، والضمير، وتعددت الحال مختلفة بالإفراد والجملة.
{صُنْعَ:} مفعول مطلق مؤكد لنفسه، وهو مضمون الجملة المتقدمة، كقوله تعالى:{وَعَدَ اللهُ}.