للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الظّالِمُونَ..}. إلخ فإن المقصود منها: أنه سبحانه ينتقم من الظالم للمظلوم، ففيه وعيد، وتهديد للظالم، وإعلام له بأنه لا يعامله معاملة الغافل عنه، بل ينتقم منه، ولا يتركه مغفلا.

{فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ:} يتخاصمان، ويتنازعان. {هذا مِنْ شِيعَتِهِ} أي: أحدهما من طائفة بني إسرائيل. {وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ:} والثاني قبطي من قوم فرعون عدوه. وقيل: أحدهما مؤمن، والآخر كافر. وقيل: الذي من شيعته هو السامري، والذي من عدوه هو طباخ فرعون، واسمه: فاتون، وكان القبطي يريد أن يأخذ الإسرائيلي ليحمل الحطب إلى مطبخ فرعون، وهذا يرجح ما اعتمدته عن علي-كرم الله وجهه -آنفا. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-:

لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم؛ حتى امتنعوا كل الامتناع، وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى؛ لأنهم كانوا يعلمون: أنه منهم.

قال ابن هشام في المغني: ليس المراد تقريب الرجلين من موسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة وألف سلام، كما تقول: هذا كتابك فخذه، وإنما الإشارة إليهما كانت في ذلك الوقت هكذا، فحكيت.

{فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ:} طلب منه أن يغيثه وأن يعينه على عدوه الفرعوني. وقرئ:

(فاستعانه) وهو بمعناه، والسين والتاء فيهما للطلب. {فَوَكَزَهُ مُوسى} أي: ضرب القبطي بجمع كفه، وقرئ: «(فلكزه)» أي: فضرب به صدره. قال قتادة: ضربه بعصاه، وقال مجاهد: بكفه، أي: دفعه. هذا؛ والوكز، واللكز، واللهز، واللهد بمعنى واحد، وهو الضرب بجمع الكف مجموعا كعقد ثلاثة وسبعين، قال طرفة في معلقته يذم رجلا: [الطويل] بطيء عن الجلى، سريع إلى الخنا... ذلول بإجماع الرجال ملهد

ففعل موسى -على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام -ذلك؛ وهو لا يريد قتله، إنما قصد دفعه، فكانت فيه منيته، وهو معنى قوله تعالى: {فَقَضى عَلَيْهِ} وكل شيء أتيت عليه، وفرغت منه قضيت عليه. يروى: أن موسى قال للقبطي: خل سبيله، فقال: إنما أريد أن يحمل الحطب إلى مطبخ أبيك، فنازعه، فقال القبطي لموسى: لقد هممت أن أحمله عليك، فغضب موسى، واشتد غضبه، وكان قد أوتي بسطة في الخلق، وشدة في القوة، فوكزه فقضى عليه.

{قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ} أي: من إغوائه؛ لأنه لم يكن أمر بقتال الكفار، أو لأنه كان مأمونا فيهم، فلم يكن له اغتيالهم، ولا يقدح ذلك في عصمته؛ لأنه قتل خطأ لا عمد، وإنما عده من عمل الشيطان، وسماه ظلما، واستغفر منه على عادتهم في استعظام محقرات فرطت منهم. {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ:} بين الضلال، والإضلال، وانظر شرح (عدو) في الآية رقم [٧٧] من سورة (الشعراء).

<<  <  ج: ص:  >  >>