{فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما:} لأي شيء. {أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ:} قليل، أو كثير، غث أو سمين، وكان لم يذق طعاما منذ سبعة أيام، حتى لصق بطنه بظهره، وكان يأكل من ورق الشجر ونبات الأرض، فعرّض بالدعاء، ولم يصرح بالسؤال، هكذا روى جميع المفسرين: أنه طلب في هذا الكلام ما يأكله، فالخير يكون بمعنى الطعام كما في هذه الآية، ويكون بمعنى المال، كما في قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ،} ويكون بمعنى القوة، كما قال تعالى:{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ،} ويكون بمعنى العبادة، كقوله تعالى:{وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ}.
{فَقِيرٌ:} محتاج. وعدي باللام؛ لأنه ضمن معنى: سائل، أو طالب. هذا؛ وأصل «فقير» في اللغة: الذي انكسر فقار ظهره، ثم أطلق على المعدم الذي لا يجد حاجته من المال؛ لأنه يشبه الذي انبت ظهره، وعدم الحول والقوة، وهو أسوأ حالا من المسكين عندنا معاشر الشافعية.
تنبيه: وإنما رضي شعيب-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-لابنتيه بسقي الغنم؛ لأن هذا الأمر في نفسه ليس بمحظور، والدين لا يأباه، وأما المروءة فعادة الناس في ذلك متباينة، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر، خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة. انتهى. نسفي.
أقول: لعل الرجل أبا البنتين لم يكن له أولاد ذكور يقومون له بسقي الغنم، وغيرها من الأعمال، فإنني لم أطلع على أولاد ذكور لشعيب في المراجع الموجودة لدي، فتكون الضرورة هي التي ألجأت البنتين لسقي الغنم، وغيرها من الأعمال؛ وقد ذكر: أنه كان له سبع بنات، وانظر ما ذكرته في الشاهد [١٠٣١] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»؛ ففيه بحث جيد.
الإعراب:{فَسَقى:} الفاء: حرف استئناف. (سقى): فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف، والفاعل يعود إلى (موسى)، ومفعولاه محذوفان، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. وقبلها كلام كثير مقدر، كما رأيت في الشرح. {لَهُما:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والميم والألف حرفان دالان على التثنية. {ثُمَّ:} حرف عطف. {تَوَلّى:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (موسى) أيضا، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها. {إِلَى الظِّلِّ:} متعلقان بما قبلهما. {فَقالَ:} الفاء: حرف عطف. (قال): ماض، وفاعله يعود إلى (موسى) أيضا. {رَبِّ:} منادى حذف منه أداة النداء منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف. وانظر ما ذكرته في (الشعراء) رقم [١٦٩] فإنه جيد.
{إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمها. {لِما:} جار ومجرور متعلقان ب: {فَقِيرٌ} الآتي، و (ما): تحتمل الموصولة، والموصوفة، فهي مبنية على السكون في محل جر باللام، و {أَنْزَلْتَ:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية صلة (ما) أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: إني فقير للذي، أو: لشيء أنزلته. {إِلَى:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما،