فقالت:{يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} فتزوج صغراهما، وقضى أوفاهما، وعن عيينة بن حصن-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أجّر موسى نفسه بشبع بطنه، وعفّة فرجه».
وروى شداد بن أوس مرفوعا: بكى شعيب النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ حتى عمي، فرد الله عليه بصره، ثم بكى؛ حتى عمي، فرد الله عليه بصره، ثم بكى؛ حتى عمي، فرد الله عليه بصره، فقال الله له:
ما هذا البكاء؟ أشوقا إلى الجنة، أم خوفا من النار؟ فقال: لا يا رب، ولكن شوقا إلى لقائك، فأوحى الله إليه: إن يكن ذلك، فهنيئا لك لقائي يا شعيب! لذلك أخدمتك كليمي موسى.
ولما تعاقدا العقد السابق بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه، قيل: كانت من آس الجنة، حملها آدم معه، فتوارثها الأنبياء، وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته، فصارت من آدم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم؛ حتى وصلت إلى شعيب، فأعطاها موسى.
وقيل: أمره شعيب أولا أن يلقيها في البيت، ويأخذ غيرها، فدخل، وأخرج تلك العصا بعينها، وهكذا سبع مرات، كل مرة لا تقع بيده غير تلك، فعلم شعيب: أن له شأنا.
فلما أصبح قال له: سق الأغنام إلى مفرق الطريق، فخذ عن يمينك، وليس بها عشب كثير، ولا تأخذ عن يسارك فإن بها عشبا كثيرا، وتنينا كبيرا، فساق المواشي إلى مفرق الطريق، فأخذت نحو اليسار ولم يقدر على ضبطها، فنام موسى وخرج التنين، فقامت العصا، وصارت شعبتاها حديدا، وحاربت التنين حتى قتلته، وعادت إلى موسى، فلما انتبه رأى العصا مخضوبة بالدم، والتنين مقتولا، فعاد إلى شعيب عشاء، وكان شعيب ضريرا فمس الأغنام، فإذا أثر الخضب باد عليها، فسأله عن القصة، فأخبره بها، ففرح شعيب.
{وَسارَ بِأَهْلِهِ:} بامرأته؛ لصلة رحمه، وزيارة أمه، وأبيه، وأخيه، وأقاربه مصطحبا الغنم التي أعطاه إياها شعيب كما رأيت في الآية رقم [٢٣] وكان قد استأذن شعيبا في العودة إلى مصر، فأذن له، فخرج من عنده قاصدا مصر، وفيه دليل على: أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء، لما له عليها من فضل القوامة وزيادة الدرجة، إلا أن يلتزم لها أمرا؛ فالمؤمنون عند شروطهم. {آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً:} انظر الآية رقم [٧] من سورة (النمل)، وانظر التعبير هناك بقوله تعالى:{سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ}.
{أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ:} وفي (النمل): {بِشِهابٍ قَبَسٍ} و (الجذوة) بتثليث الجيم، وقرئ بهن: الجمرة الملتهبة، والجمع: جذا بتثليث الجيم أيضا، والجذوة: العود الغليظ كانت في رأسه نار، أو لم تكن، قاله الزمخشري، والأول قاله القرطبي، وهو الموافق لكتاب اللغة، قال ابن مقبل:[البسيط]
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها... جزل الجذى غير خوّار ولا دعر
الخوار: الضعيف، وعود دعر: كثير الدخان، وقال آخر:[الطويل]