للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صغيرة، فلمّا أنس منها، قلبت حية كبيرة. وقيل: انقلبت مرة حية صغيرة، ومرة حية تسعى، وهي الأنثى، وهو ما عبر عنها في سورة (طه) بقوله: {فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى} ومرة ثعبانا، وهو الذكر الكبير من الحيات، وهو ما عبر عنها بقوله تعالى في سورة (الشعراء)، وفي سورة (الأعراف): {فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ}.

قال أحمد محشّي الكشاف: كما وصف الله الريح بأنها تكون أحيانا عاصفة، وأحيانا رخاء، وذلك لسليمان-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-وصف عصا موسى تارة بأنها جان، وتارة بأنها ثعبان. والجان: الرقيق من الحيات، والثعبان: العظيم الجافي منها، ووجه ذلك: أنها جمعت بين الوصفين، فكانت في خفتها، وفي سرعة حركتها كالجان، وكانت في عظم خلقها كالثعبان، ففي كل واحد من الريح، والعصا على هذا التقرير معجزتان، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى.

{وَلّى مُدْبِراً:} خائفا على عادة البشر، هاربا من هول ما رأى. {وَلَمْ يُعَقِّبْ:} لم يرجع، ولم يلتفت لشدة خوفه، ورعبه؛ لأنه ظن: أن هذا الأمر أريد به. {يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ:} ناداه ربه:

يا موسى! لا تخف من الحية، وضررها. {إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ:} من المخاوف جميعها، فإنه لا يخاف لدي المرسلون. قال وهب-رحمه الله تعالى-: إنها لم تدع شجرة، ولا صخرة إلا بلعتها؛ حتى إن موسى سمع صرير أسنانها، وقعقعة الشجر، والصخر في جوفها، فحينئذ ولّى مدبرا ولم يعقب، فنودي عند ذلك: {يا مُوسى أَقْبِلْ..}. إلخ. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَأَنْ:} الواو: حرف عطف. (أن): مفسرة مثل سابقتها. {أَلْقِ:} فعل أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل تقديره: «أنت».

{عَصاكَ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية معطوفة على قوله تعالى: {أَنْ يا مُوسى..}. إلخ {فَلَمّا:} الفاء: حرف عطف. (لما): انظر الآية رقم [١٤]. {رَآها:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (موسى)، و (ها): مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها على اعتبار (لمّا) حرفا؛ لأنها ابتدائية، وفي محل جر بإضافة (لمّا) إليها على اعتبارها ظرفا. {تَهْتَزُّ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى العصا، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الضمير المنصوب، وجملة:

{كَأَنَّها جَانٌّ} في محل نصب حال من فاعل: {تَهْتَزُّ} المستتر، والرابط: الضمير فقط، وهي حال متداخلة، أو هي حال ثانية من الضمير المنصوب. {وَلّى:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى: (موسى) أيضا. {مُدْبِراً:} حال منه، وهي حال مؤكدة لمعنى الفعل؛ لأنها من معناه، وإن اختلف اللفظ، وجملة: {وَلّى مُدْبِراً} جواب (لمّا) لا محل لها، و (لمّا) ومدخولها كلام معطوف على الكلام الذي رأيته في الشرح، أو هو مستأنف، لا محل له على الاعتبارين. {وَلَمْ:}

<<  <  ج: ص:  >  >>