لما أهّله الله لذلك؛ لأنه غني حكيم لا يرسل الكذابين، ولا ينبئ الساحرين، ولا يفلح عنده الظالمون، وعاقبة الدار هي العاقبة المحمودة لقوله تعالى: {أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ (٢٢) جَنّاتُ عَدْنٍ} والمراد بالدار: الدنيا، وعاقبتها: أن يختم للعبد بالرحمة، والرضوان، وتلقى الملائكة بالبشرى، والغفران. هذا؛ وقرئ الفعل:{تَكُونُ} بالتاء، والياء؛ لأن {عاقِبَةُ} مؤنث مجازي، وما كان منه يستوي فيه التذكير، والتأنيث، كما قرئ (قال) بواو وبدونه وكلاهما حسن، وجيد.
فقراءته بالواو وجهها: أنهم قالوا ذلك، وقال موسى هذا ليوازن الناظر بين قولهم، وقوله، ويتبصر فساد أحدهما، وصحة الآخر، وبضدها تتبين الأشياء، وقراءته بدون الواو وجهها: أن الموضع موضع سؤال وبحث عما أجابهم به موسى عند تسميتهم مثل تلك الآيات الباهرة سحرا مفترى. هذا؛ وإعلال {يُفْلِحُ} مثل إعلال {يُقِيمُونَ} في الآية رقم [٣] من سورة (النمل)، وانظر التعبير عن الكافرين بالظالمين ونحوه في الآية رقم [٢٠٠] من سورة (الشعراء). والفلاح: نيل المرغوب، والفوز بالمطلوب.
هذا؛ والدار تطلق على الحياة الدنيا، كما تطلق على الآخرة، والدار هي منزل الإنسان ومسكنه الخاص به في الدنيا، وهي مؤنثة، وقد تذكر، أصلها: دور بفتحتين، قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وجمعها: ديار، ودور، وأدؤر، وأدور، وأدورة، وأدوار، وديارات، ودورات، ودوران، وديران. وأصل ديار: دوار، قلبت الواو ياء؛ لأنها وقعت عينا في جمع على وزن فعال، لمفرد اعتلت عينه بالقلب. هذا؛ والدار أيضا: البلد، والقبيلة، ودار القرار:
الآخرة، والداران: الدنيا والآخرة، ودار الحرب: بلاد العدو. هذا؛ وقد قال أبو حاتم: إن الديار: العساكر، والخيام، لا البنيان، والعمران، وإن الدار: البنيان، والعمران، وعليه قوله تعالى:{فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ} أي: في عساكرهم، وخيامهم ميتين. وقال جل شأنه:
{فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ} أي: في مدينتهم المعمورة، ولو أراد غير ذلك؛ لجمع الدار، فعلم من كلامه: أن الديار مخصوصة بالخيام. انتهى. قال صاحب الخزانة: وهذه غفلة عن قول الشاعر، وهو مجنون ليلى (أقبّل ذا الجدار) وهو حائط البيت، وذلك في قوله:[الوافر]
أمرّ على الدّيار، ديار ليلى... أقبّل ذا الجدار، وذا الجدارا
وما حبّ الدّيار شغفن قلبي... ولكن حبّ من سكن الدّيارا
الإعراب:{وَقالَ:} الواو: حرف عطف. (قال): فعل ماض. {مُوسى:} فاعله، {رَبِّي:}
مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {أَعْلَمُ:} خبر المبتدأ. {بِمَنْ:} جار ومجرور متعلقان ب: {أَعْلَمُ،} و (من)