هذا؛ وقال الخازن: اعلم: أن الله تعالى لما بين قصة موسى عليه الصلاة والسّلام لرسوله صلّى الله عليه وسلّم فجمع بين هذه الأحوال الثلاثة العظيمة التي اتفقت لموسى، فأراد بقوله:{إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ} هو إنزال التوراة عليه؛ حتى تكامل دينه، واستقر شرعه، والمراد بقوله:{وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} أول أمر موسى، والمراد بقوله:{إِذْ نادَيْنا} ليلة المناجاة، فهذه أعظم أحوال موسى على نبينا، وعليه ألف صلاة وألف سلام. ولما بينها لرسوله، ولم يكن في هذه الأحوال حاضرا؛ بين الله: أنه بعثه، وعرفه هذه الأحوال الدالة على نبوته صلّى الله عليه وسلّم ومعجزته، وكأنه قال: في إخبارك عن هذه الأشياء من غير حضور، ولا مشاهدة دلالة ظاهرة على نبوتك.
هذا؛ وروى عمرو بن دينار يرفعه، قال:«نودي يا محمد! أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني». فذلك قوله تعالى:{وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا}. وفي رواية عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: إن الله تعالى قال: «يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، ورحمتكم قبل أن تسترحموني».
{وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} أي: رحمناك رحمة بإرسالك، والوحي إليك، واطلاعك على الأخبار الغائبة عنك. {لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ:} المراد ب {قَوْماً} أهل مكة، فلم يأتهم رسول في الفترة الواقعة بين محمد، وعيسى عليهما الصلاة، والسّلام، وهي خمسمائة وخمسون سنة، أو بين محمد، وإسماعيل، عليهما الصلاة، والسّلام، على أن دعوة موسى، وعيسى -على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام-كانت مختصة ببني إسرائيل، وما حواليهم.
تنبيه: لعلك تدرك معي أيها القارئ الكريم: أن ما ذكر في هذه الآيات إنما هو من تذكير الله لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بما أنعم عليه، وإنك لتجد الكثير من هذا في آيات القرآن مثل سورة (الضحى) وغيرها، وهذا يسمى بالمنّ على المنعم عليه. هذا؛ وقد بين الله في آية البقرة رقم [٢٦٢] أن المنّ على من أنعمت عليه مذموم، وهو يحبط الثواب، بل ويوجب المقت، والسخط. والجواب عن ذلك: أن الفرق بعيد بين منّ الله على عباده، وبين منّ العبد على العبد، فمنّ الله على العبد يزيده شكرا له تعالى، كما يزيده طاعة له، ورغبة في عبادته. وأيضا: فالله هو المالك حقيقة بما ينعم به على العبد، ويمنّ به عليه، وأما العبد فإنه غير مالك بما ينعم على الحقيقة، وإنما هو وكيل على هذه النعم، والمالك على الحقيقة إنما هو الله تعالى. وأيضا: منّ العبد على العبد يورثه ذلة وانكسارا.
الإعراب:{وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ} انظر الآية رقم [٤٤] فالإعراب واحد. {نادَيْنا:}
فعل، وفاعل، والمفعول محذوف، التقدير: نادينا موسى، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها. {وَلكِنْ:} الواو: حرف عطف. (لكن): حرف استدراك مهمل، لا عمل له.
{رَحْمَةً:} قال الأخفش: مفعول مطلق عامله محذوف، التقدير: ولكن رحمناك رحمة. وقال الزجاج: مفعول لأجله، التقدير: ولكن كان ذلك رحمة. وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، التقدير: ولكن هي رحمة. والجملة على جميع الأوجه معطوفة على ما قبلها. {مِنْ}