للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أيام الدنيا: أن تقول: لا إله إلا الله، أشهد لك بها عند الله». قال: يا بن أخي قد علمت:

أنك لصادق، ولكني أكره أن يقال: جزع عند الموت، ولولا أن يكون عليك، وعلى بني عمك غضاضة، ومسبة بعدي؛ لقلتها، ولأقررت بها عينك عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك، ولكني سوف أموت على ملة الأشياخ: عبد المطلب، وهاشم، وعبد المناف.

وروي أنه قال للنبي: جئت بشيء قبله الجنان، وأباه اللسان، مخافة الشنآن.

تنبيه: من المعروف: أن أبا طالب كفل النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاة جده عبد المطلب، وعطف عليه عطف الوالد على ولده حتى شبّ وترعرع، وكان يحبه حبا شديدا، ولما منّ الله عليه بالرسالة؛ قامت قريش بكليتها تعارضه، وتصد الناس عن دعوته، فأعلن أبو طالب حمايته له، والذود عنه، ومشوا إليه مرارا يطلبون منه أن يكف الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن تسفيه عقولهم، وشتم آبائهم، وعيب آلهتهم، وقدموا له من مغريات الدنيا المال، والملك، والسيادة، كل ذلك لم يثن الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن دعوته.

وروي في كتاب السيرة، وغيرها: أن قريشا جاءوا إلى أبي طالب، فكلموه في شأن النبي صلّى الله عليه وسلّم فهددوه، وتوعدوه، وكان فيما قالوا له: إما أن تكفه، أو ننازله، وإياك! فشق على أبي طالب فراق قومه، ومعاداتهم، فبعث إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فجاء، وقال له: يا بن أخي! إن قومك جاءوني، وقالوا لي: كذا، وكذا. يا بن أخي! أبق عليّ، وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق! فظن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن قد بدا لعمه فيه، وأنه خاذله، فقال: «يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يظهره الله تعالى، أو أهلك في طلبه». ثم استعبر فبكى، فلمّا ولى، قال له: يا بن أخي! امض على أمرك، وافعل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا! وأنشد: [الكامل] والله لن يصلوا إليك بجمعهم... حتّى أوسّد في التّراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة... أبشر وقرّ بذاك منك عيونا

ودعوتني وزعمت أنّك ناصح... ولقد صدقت وكنت قبل أمينا

ولقد علمت بأنّ دين محمّد... من خير أديان البريّة دينا

لولا الملامة أو حذاري سبّة... لوجدتني سمحا بذاك مبينا

انتهى. بتصرف كبير، سيوطي، وبغدادي، كلاهما شرح شواهد المغني. ومن الغريب: أن الخازن-رحمه الله تعالى-ذكر: أن أبا طالب أنشد البيتين الأخيرين عند موته، ونقله عنه سليمان الجمل، رحمه الله تعالى، ولم يصحح له هذا الخطأ، بل أبقاه على حاله، وانظر الآية رقم [١١٣] من سورة (التوبة).

<<  <  ج: ص:  >  >>