للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السابقة. وقيل: هو عام في الجهاد، وغيره. وهو الحقّ، انظر شرح: {سَبِيلِ اللهِ} في الآية [١٩٠] {وَلا تُلْقُوا:} الإلقاء: هو الطرح، والرمي. وقيل: معناه هنا: ولا تفضوا. {بِأَيْدِيكُمْ} أي:

بأنفسكم هكذا فسر. وقيل: الباء سببية، والمفعول محذوف، أي: ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم.

وانظر شرح (اليد) في الآية رقم [٧٩]. {التَّهْلُكَةِ} مصدر: هلك بكسر اللام، وهو مثل الهلك، والهلاك، والهلوك، فهذه كلها مصادر له، هذا معنى: {وَلا تُلْقُوا..}. إلخ؛ أي: بالإسراف في الإنفاق، وتضييع الزوجة، والأولاد، والدستور في ذلك-وهو مما نفخر، ونعتز به-قوله تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٢٩]: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}. وقوله تعالى في سورة (الفرقان) رقم [٦٧]: {وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً}. {وَأَحْسِنُوا..}. إلخ؛ أي: في جميع أعمالكم، وأقوالكم، وأخلاقكم؛ حتّى يحبّكم الله، وتكونوا من أوليائه المقرّبين.

هذا؛ ومضمون الآية وفحواها الأمر بالإنفاق في سبيل الله في سائر وجوه القربات، ووجوه الطاعات؛ وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء، وبذلها فيما يقوّي المسلمين على أعدائهم، والإخبار عن ترك ذلك بأنّه هلاك، ودمار لمن لزمه، واعتاده. ثم عطف الأمر بالإحسان، وهو أعلى مقامات الطاعة، ولما سئل الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن الإحسان قال: «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك». هذا؛ وقال ابن عبّاس-رضي الله عنهما-: أنفق في سبيل الله، وإن لم يكن إلا سهم، أو مشقص، لا يقولنّ أحدكم: لا أجد شيئا. ونحوه عن السّدّي- رحمه الله تعالى-: أنفق ولو عقالا، ولا تلق بيدك إلى التهلكة، فتقول: ليس عندي شيء.

فائدة: روي: أنّ رجلا من المسلمين حمل على جيش الروم في خلافة الفاروق حتى دخل فيهم، فصاح الناس: سبحان الله! ألقى بيديه إلى التهلكة، فقال أبو أيوب الأنصاري-رضي الله عنه-: إنّما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار حين أعزّ الله الإسلام، وكثر ناصروه، فقلنا: لو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها. فنزلت الآية، فكانت التهلكة: الإقامة على الأموال، وإصلاحها، وترك الجهاد في سبيل الله. أخرجه أبو داود، والترمذي، والنّسائي. فما زال أبو أيوب-رضي الله عنه-شاخصا في سبيل الله حتى استشهد، ودفن بأرض الروم، وكان ذلك تحت إمرة يزيد في عهد معاوية.

فعن البراء بن عازب-رضي الله عنه-قال له رجل: يا أبا عمارة! قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أهو الرجل يلقى العدو، فيقاتل؛ حتى يقتل؟ قال: لا، ولكن هو الرجل يذنب الذّنب، فيقول: لا يغفره الله. رواه الحاكم موقوفا، وقال: صحيح على شرط الشّيخين، وانظر الآية رقم [٢٩] من سورة (النساء) فالمعنى متشابه.

الإعراب: {وَأَنْفِقُوا:} الواو: حرف عطف. ({أَنْفِقُوا}): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا،

<<  <  ج: ص:  >  >>