للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسلم؛ قالت له أمه: ما هذا الذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب، ولا يظلني سقف بيت من الحر، والريح؛ حتى ترجع إلى ما كنت عليه، أو أموت، فتعيّر بذلك أبد الدهر، ويقال: يا قاتل أمه. ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب، ولم تستظل، فأصبحت وقد جهدت، ثم مكثت كذلك يوما آخر، وليلة، فجاءها، وقال: يا أماه! والله لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا؛ نفسا ما تركت ديني، فكلي إن شئت، وإن شئت فلا تأكلي! فلما أيست منه؛ أكلت، وشربت، واستظلت. وروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أنه قال: نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه حين هاجر. والصحيح الأول. ومع ذلك فالآية حكمها عام إلى يوم القيامة.

هذا؛ وقد قال تعالى هنا: {وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي..}. إلخ، وفي سورة (لقمان) قال: {وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي..}. إلخ؛ لأن ما في هذه السورة وافق ما قبله لفظا، وهو قوله تعالى:

{وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ،} وفي لقمان محمول على المعنى؛ لأن التقدير: وإن حملاك على أن تشرك بي. انتهى. جمل نقلا عن غيره.

{فَلا تُطِعْهُما:} في الشرك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} أي:

مرجع من آمن منكم، ومرجع من أشرك، ومن أطاع، ومن عصى، ومن بر بوالديه، ومن عق... إلخ، وفي كثير من الآيات يذكر بعده: {جَمِيعاً}. {فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي:

فأخبركم بالذي كنتم تعملونه من إيمان، أو كفر، صلاح، أو فساد، طاعة، أو معصية... إلخ.

هذا؛ والفعل «وصى» حكمه حكم: «أمر» في معناه، وتصريفه. يقال: وصيت زيدا بأن يفعل كذا، كما تقول: أمرته بأن يفعل كذا، ومنه قول الشاعر: [الوافر] وذبيانيّة وصّت بنيها... بأن كذب القراطف والقروف

يصف امرأة ذبيانية وصت بنيها بحفظ القراطف، جمع القرطفة، وهي القطيفة المخملة، والقروف: أوعية من أدم، ومنه قوله تعالى: {وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} أي: وصاهم بكلمة التوحيد، وأمرهم بها.

أما {الْإِنْسانَ،} فإنه يطلق على الذكر، والأنثى من بني آدم، ومثله كلمة: «شخص» قال تعالى في سورة (العصر): {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ} ومعلوم: أن الله لم يقصد الذكور خاصة، والقرينة الآيات الكثيرة الدالة على أن المراد: الذكر، والأنثى، واللام في الإنسان إنما هي لام الجنس التي تفيد الاستغراق، ولذا صح الاستثناء من الإنسان في سورة (العصر). هذا؛ وإنسان العين: هو المثال الذي يرى فيها، وهو النقطة السوداء، التي تبدو لامعة وسط السواد، قال ذو الرمة، وهو الشاهد رقم (٨٨٩) من كتابنا فتح القريب المجيب: [الطويل] وإنسان عيني يحسر الماء تارة... فيبدو وتارات يجمّ فيغرق

<<  <  ج: ص:  >  >>