للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذهب، فقال: «يا عدي! ألق عنك هذا الوثن!». فألقيته. وأصله من: وثن الشيء؛ أي: أقام في مقامه، وسمي الصنم وثنا؛ لأنه ينصب ويركز في مكان لا يبرح عنه.

{وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً:} وتكذبون كذبا في تسميتها آلهة، وادعاء شفاعتها عند الله، أو تعملونها وتنحتونها للإفك، وهو استدلال بيّن على شرارة ما هم عليه من حيث إنه زور، وباطل، وبهتان، وقرئ: «(تخلّقون)»، وقرئ: «(تخلّقون)» وهو بمعنى التكثير من خلّق، والأول من تخلّق بمعنى:

تكذّب، وتخرّص. هذا؛ والإفك هو أبلغ ما يكون من الكذب، والافتراء، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ..}. إلخ رقم [١١] من سورة (النور)، وانظر الآية رقم [٤٥] من سورة (الشعراء).

{إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أي: من الأوثان. {لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً:} لا يستطيعون أن يرزقوكم، وهذا دليل ثان على شرارة عبادتهم لهذه الأوثان؛ لأنها لا تجدي قليلا، ولا تغني فتيلا، ونكر: (رزقا) للتعميم؛ أي: لا قليلا، ولا كثيرا. {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ:} اطلبوا رزقكم كله من عند الله تعالى، وتعريف الرزق على حد قوله تعالى في سورة (المزمل): {كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (١٥) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ..}. إلخ.

{وَاعْبُدُوهُ:} وحّدوه، وانظر (العبادة) في سورة (النمل) رقم [٤٣]، {وَاشْكُرُوا لَهُ:} انظر (الشكر) في الآية رقم [٤٠] من سورة (النمل). {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ:} يقرأ بالبناء للمجهول من المتعدي، وبالبناء للمعلوم من اللازم.

هذا؛ و {تَعْبُدُونَ} بمعنى: غير وسوى هنا، وأصله من الدنو، وهو القرب، ومنه: تدوين الكتاب؛ لأنه إدناء، أي: تقريب البعض من البعض، ثم استعير للرتب، فيقال: زيد دون عمرو، أي: في الشرف، والسيادة، وعلو المنزلة، ثم اتّسع فيه، فاستعمل في كل تجاوز حد إلى حد.

هذا؛ ويأتي «دون» بمعنى «قدام» قال الشاعر: [الطويل] تريك القذى من دونها، وهي دونه... إذا ذاقها من ذاقها يتمطّق

هذا؛ ومثله: أدنى، وألفه منقلبة عن واو؛ لأنه من دنا، يدنو: إذا قرب، وله معنيان:

أحدهما: أن يكون المعنى: ما تقرب قيمته بخساسته، ويسهل تحصيله. والثاني أن يكون بمعنى: القريب منكم، لكونه في الدنيا، والذي هو خير ما كان من امتثال أوامر الله تعالى؛ لأن نفعه متأخر إلى الآخرة. خذ قوله تعالى لليهود اللؤماء، حكاية عن قول موسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}. وقيل: الألف مبدلة من همزة؛ لأنه مأخوذ من: دنؤ، يدنؤ، فهو دنيء، والمصدر: الدناءة، وهو من الشيء الخسيس، فأبدلت الهمزة ألفا. وقيل: أصله: أدون من الشيء الدّون، فأخرت الواو، فانقلبت ألفا، فوزنه الآن أفلع. انتهى. عكبري في غير هذا الموضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>