للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الآية والآيات التي بعدها إلى قوله: {فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ} محتملة أن تكون من جملة قول إبراهيم-صلوات الله، وسلامه عليه-لقومه، وأن تكون آيات وقعت معترضة في شأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشأن قريش بين أول قصة إبراهيم، وآخرها. فإن قلت: إذا كانت من قول إبراهيم؛ فما المراد بالأمم قبله؟ قلت: قوم شيث، وإدريس، ونوح، وقوم صالح، وهود، وغيرهم-وكفى بقوم نوح أمة-في معنى أمم جمّة مكذبة.

ولقد عاش إدريس ألف سنة في قومه إلى أن رفع إلى السماء، وآمن به ألف إنسان منهم على عدد سنيه، وأعقابهم على التكذيب. انتهى. كله من الكشاف. وما ذكر في شأن إدريس-عليه السّلام- يخالف ما ذكرته في الآية رقم [٥٥] من سورة (مريم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.

وقال النسفي-وهو مأخوذ من الكشاف بلا شك-: فإن قلت: فالجمل الاعتراضية، لا بدّ لها من اتصال بما وقعت معترضة فيه، فلا تقول: مكة، وزيد قائم، خير بلاد الله. قلت: نعم، وبيانه: أن إيراد قصة إبراهيم-عليه السّلام-ليس إلا إرادة للتنفيس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأن تكون مسلاة له بأن أباه إبراهيم-عليه السّلام-كان مبتلى بنحو ما ابتلي به من شرك قومه، وعبادتهم الأوثان، فاعترض بقوله: {وَإِنْ تُكَذِّبُوا..}. إلخ على معنى: أنكم يا معشر قريش إن تكذبوا محمدا؛ فقد كذب إبراهيم قومه، وكل أمة كذبت نبيها؛ لأن قوله: {فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} لا بد من تناوله لأمة إبراهيم، وهو كما ترى اعتراض متصل، ثم سائر الآيات بعدها من توابعها؛ لكونها ناطقة بالتوحيد، ودلائله، وهدم الشرك، وتوهين قواعده، وصفة قدرة الله، وسلطانه، ووضوح حجته وبرهانه. انتهى.

الإعراب: {وَإِنْ:} الواو: واو الاعتراض، أو هي حرف عطف، (إن): حرف شرط جازم، {تُكَذِّبُوا:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، ومفعوله محذوف، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف، تقديره: فلا يضرني تكذيبكم. {فَقَدْ:} الفاء: حرف تعليل للجواب المنفي. (قد): حرف تحقيق، يقرب الماضي من الحال. {كَذَّبَ:} فعل ماض. {أُمَمٌ:} فاعله. {مِنْ قَبْلِكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة: {أُمَمٌ،} والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية: {فَقَدْ كَذَّبَ..}. إلخ، لا محل لها؛ لأنها تعليلية. {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية، {عَلَى الرَّسُولِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {إِلاَّ:} حرف حصر. {الْبَلاغُ:}

مبتدأ مؤخر. {الْمُبِينُ:} صفة له، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. وقيل: في محل نصب حال، ولا أراه قويا. هذا؛ والآية في محل نصب مقول القول على اعتبارها مع ما بعدها من قول إبراهيم عليه السّلام، ولا محل لها على اعتبارها مع ما بعدها كلام معترض، وهو المعتمد. انظر الشرح.

<<  <  ج: ص:  >  >>