العلم، وهم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم، والمؤمنون به، يحفظونه، ويقرءونه، ووصفهم بالعلم؛ لأنهم ميزوا بأفهامهم بين كلام الله، وكلام البشر، والشياطين، ولذا لا يقدر أحد على تحريفه، كما حرفت الكتاب السابقة.
وقال قتادة، وابن عباس-رضي الله عنهما-: {بَلْ هُوَ} يعني: محمدا صلّى الله عليه وسلّم. والمراد ب:{الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أهل الكتاب يجدونه مكتوبا عندهم في كتبهم بهذه الصفة: أميا لا يقرأ، ولا يكتب، ولكنهم ظلموا أنفسهم، وكتموا، وهذا اختيار الطبري. ودليل هذا القول قراءة ابن مسعود، وابن السّميقع:(بل هذا آيات بينات) وكان عليه الصلاة والسّلام آيات، لا آية واحدة؛ لأنه دل على أشياء كثيرة من أمر الدين، لهذا قال:{بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ} وقيل: بل هو ذو آيات بينات، فحذف المضاف.
{وَما يَجْحَدُ:} وما يكفر. {بِآياتِنا:} بآيات القرآن. {إِلاَّ الظّالِمُونَ:} المتوغلون في الظلم بالمكابرة بعد وضوح دلائل إعجازها حتى لم يعتدّوا بها، والمراد بالظالمين: اليهود، ومن على شاكلتهم من المكابرين المعاندين في كل وقت، وحين. وعبر سبحانه في هذه الآية وسابقتها عن القرآن بالآيات للتنبيه على ظهور دلالتها على معانيها، وعلى كونها من عند الله تعالى، وأضيفت إلى نون العظمة لمزيد تفخيمها، وغاية التشنيع على من يجحدها.
هذا؛ والظالم هو الذي يظلم غيره بالاعتداء على حقوقه، أو على كرامته، وحرماته، والظالم هو الذي يظلم نفسه بالكفر، أو بالمعاصي، وارتكاب الفواحش، والمنكرات، وكثيرا ما يعبر القرآن عن الكافرين بالظالمين، والمجرمين، والمعتدين، والفاسقين، والمسرفين، وغير ذلك، ويتهددهم بالعذاب الأليم، ويتوعدهم بالعقاب الشديد، وإننا نجد الكثير من المسلمين يتصفون بهذه الصفات، فهل يوجه إليهم هذا التهديد، وهذا الوعيد؟ الحق أقول: نعم يتوجه إليهم ما ذكر، وهم أحق بذلك، ولا سيما من قرأ القرآن منهم، واطلع على أحوال الأمم السابقة، وما جرى لهم مع رسلهم، وكيف نكل الله بهم، وجعلهم عبرة للمعتبرين، وما يتذكر إلا أولو الألباب.
الإعراب:{بَلْ:} حرف إضراب، وانتقال. {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {آياتٌ:} خبر المبتدأ. {بَيِّناتٌ:} صفة {آياتٌ}. {فِي صُدُورِ:} جار ومجرور متعلقان ب: {بَيِّناتٌ،} و {صُدُورِ:} مضاف، و {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل جر بالإضافة. {أُوتُوا:} فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم، والواو نائب فاعله، وهو المفعول الأول، والألف للتفريق. {الْعِلْمَ:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، والجملة الاسمية:{هُوَ آياتٌ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها، وجملة:
{وَما يَجْحَدُ..}. إلخ انظر الآية رقم [٤٧] فالإعراب مثلها.