للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا خاطب الدّنيا الدّنيّة إنّها... شرك الرّدى وقرارة الأكدار

دار متى ما أضحكت في يومها... أبكت غدا تبّا لها من دار

أو هي من الدنو، وهو القرب؛ لأنها في متناول يد الإنسان ما دام حيّا.

{إِلاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ} أي: إلا كما يلهو ويلعب به الصبيان، ويجتمعون عليه، ويبتهجون به ساعة، ثم يتفرقون متعبين. هذا؛ واللهو: هو الاستمتاع بلذات الدنيا. وقيل: هو الاشتغال بما لا يعنيه، وما لا يهمه. واللعب: هو العبث، أي ليس ما أعطاه الله الأغنياء من الدنيا؛ إلا وهو يضمحل، ويزول، كاللعب الذي لا حقيقة له، ولا ثبات، قال بعضهم: إن بقيت لك الدنيا؛ لم تبق لها، وأنشد: [الطويل] تروح لنا الدّنيا بغير الّذي غدت... وتحدث من بعد الأمور أمور

وتجري اللّيالي باجتماع وفرقة... وتطلع فيها أنجم وتغور

فمن ظنّ أنّ الدّهر باق سروره... فذاك محال، لا يدوم سرور

عفا الله عمّن صيّر الهمّ واحدا... وأيقن أنّ الدّائرات تدور

وما أحسن قول الشافعي، رضي الله عنه: [الطويل] وما هي إلاّ جيفة مستحيلة... عليها كلاب همّهنّ اجتذابها

فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها... وإن تجتذبها نازعتك كلابها

{وَإِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ} أي: التي تكون بعد الموت، وبعد البعث، والحشر، والحساب والجزاء، والمراد بها: الجنة، ونعيمها الدائم. {لَهِيَ الْحَيَوانُ} أي: هي دار الحياة الباقية، التي لا تزول، ولا موت فيها، وهي دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت عليها، أو جعلت في ذاتها حياة للمبالغة.

و {الْحَيَوانُ} مصدر: حيي، سمّي به ذو الحياة، وأصله عند سيبويه، وأتباعه: حييان، فقلبت الياء الثانية واوا، وهو شاذ. قال أبو البقاء: لئلا يلتبس بالتثنية، ولم تقلب ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، لئلا تحذف إحدى الألفين. وقال البيضاوي: وهو أبلغ من الحياة؛ لما في بناء:

«فعلان» من الحركة، والاضطراب اللازم للحياة، ولذا اختير عليها هاهنا. {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ:} حقيقة الدارين؛ لما اختاروا اللهو الفاني على الحيوان الباقي.

الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {هذِهِ:} اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والهاء حرف تنبيه لا محل له. {الْحَياةُ:} بدل من {هذِهِ،} أو عطف بيان عليه. {الدُّنْيا:} صفة {الْحَياةُ} مرفوع مثله، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف

<<  <  ج: ص:  >  >>