للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزيهه، واستحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهل السموات، والأرض. وتخصيص التسبيح بالمساء، والصباح؛ لأن آثار القدرة، والعظمة فيهما أظهر، وتخصيص الحمد بالعشي؛ الذي هو آخر النهار، وبالظهيرة؛ التي هي وسطه؛ لأن تجدد النعم فيهما أكثر.

هذا؛ وقال الجوهري: العشي، والعشية: من صلاة المغرب إلى العتمة، تقول: أتيته عشيّة أمس، وعشيّ أمس. وتصغير العشي: عشيّان على غير قياس مكبّره، والجمع: عشيّانات، وتصغير العشية: عشيشة، والجمع عشيشيات، والعشاء مثل العشي. والعشاءان: المغرب، والعتمة، وزعم قوم: أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر، وأنشدوا: [الوافر] غدونا غدوة سحرا بليل... عشاء بعد ما انتصف النّهار

هذا؛ وقال الأزهري: العشي ما بين زوال الشمس، وغروبها. وهذا هو المعتمد عنده.

أقول: والمعتمد أنه الوقت من قبيل العصر إلى المغرب، وهو ما رأيته في تفسير الآية، وإن أفتاك الناس، وأفتوك. وقال الماوردي: والفرق بين المساء، والعشاء: أن المساء بدوّ الظلام بعد المغيب، والعشاء آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب، وهو مأخوذ من: عشا العين، وهو نقص النور من الناظر، كنقص نور الشمس.

هذا؛ وقد قوبل العشي بالإبكار في قوله تعالى لزكريا عليه السّلام: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ،} وقد قوبل بالغدو، في قوله تعالى في حق فرعون، وأشياعه: {النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا،} وقوبل بالغداة في قوله تعالى لنبينا، وحبيبنا صلّى الله عليه وسلّم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ..}. إلخ. وقوبلت العشية بالضحى في قوله تعالى في بيان يوم القيامة في سورة (النازعات) رقم [٤٦]: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها}.

هذا وأكثر المفسرين على أن المراد بالتسبيح هنا: الصلاة، والمراد ب‍: {حِينَ تُمْسُونَ:}

تدخلون في المساء وفيه صلاة المغرب والعشاء، والمراد ب‍: {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} تدخلون في الصباح، وفيه صلاة الصبح، والمراد بالعشي: الوقت ما بين العصر، والمغرب، وفيه صلاة العصر والمراد ب‍ {وَحِينَ تُظْهِرُونَ:} حين تدخلون في الظهيرة، وفيه صلاة الظهر، قال نافع بن الأزرق الخارجي لابن عباس-رضي الله عنهما-: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن، قال:

نعم، وقرأ هاتين الآيتين: وقال: جمعتا الصلوات الخمس، ومواقيتها.

وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من سرّه أن يكال له بالقفيز الأوفى، فليقل: {فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ..}. إلخ»، وعنه صلّى الله عليه وسلّم: «من قال حين يصبح: {فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ..}. إلخ إلى قوله: {وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ} أدرك ما فاته في يومه، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته».

<<  <  ج: ص:  >  >>