للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع كونه من الآيات الأنفسية الحقيقة بالانتظام في سلك ما سبق من خلق أنفسهم، وأزواجهم للإيذان باستقلاله، والاحتراز عن توهم كونه من تتمات خلقهم. انتهى جمل نقلا من أبي السعود، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٨] من سورة فاطر.

تنبيه: خالف سبحانه وتعالى بين الألوان، والألسنة حتى ما تكاد تسمع منطقين متفقين في جرس واحد، ولا جهارة واحدة، وحتى ما تكاد ترى صورتين متشابهتين تمام التشابه في الألوان، والسمات، والقسمات؛ لحصول التعارف، وإلا فلو كان الناس على هيئة واحدة، وبلون واحد، وتقاسيم وتقاطيع واحدة لحصل الخلل والالتباس، ولانعدم التمييز بينها جميعا حتى إن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما، والأمور الملاقية في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة، مهما تقاربا في وجه الشبه انتهى.

{إِنَّ فِي ذلِكَ} أي: فيما ذكر في هذه الآية. {لَآياتٍ:} لدلالات بالغة لا تكاد تخفى على عاقل من ملك، أو إنس، أو جن على قدرة الواحد القهار، حيث ولدوا من أب واحد، وهم على هذه الكثرة التي لا يعلمها إلا الله مختلفون متفاوتون.

{لِلْعالِمِينَ:} يقرأ بكسر اللام على أنه جمع: عالم بكسرها أيضا، ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى: {وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ} ويقرأ بفتح اللام على أنه جمع: عالم بفتحها أيضا، وهو يقال لكل ما سوى الله، ويدل له قوله تعالى: {قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} والعوالم كثيرة، لا تحصيها الأرقام، وهي منتشرة في هذا الكون المترامي الأطراف في البر والبحر؛ إذ كل جنس من المخلوقات يقال له: عالم قال تعالى: {وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ}.

هذا وخص الله السموات والأرض بالذكر هنا وفي كثير من الآيات؛ لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وجمع السموات دون الأرض؛ وهي مثلهن؛ لأن طبقاتها مختلفة بالذات، متفاوتة بالصفات، والآثار، والحركات، وقدمها لشرفها، وعلو مكانها، وتقدم وجودها، ولأنها متعبد الملائكة، ولم يقع فيها معصية كما في الأرض، وأيضا؛ لأنها كالذّكر، فنزول المطر من السماء على الأرض كنزول المني من الذكر في رحم المرأة؛ لأن الأرض تنبت، وتخضر بالمطر.

أما {أَلْسِنَتِكُمْ} فهو جمع لسان، ويجمع أيضا على لسن بضم اللام، وضم السين وتسكينها أيضا، وهو على هذا مؤنث كذراع وأذرع، والأول مذكر، كحمار، وأحمرة، وتصغيره على التذكير: لسين، وعلى التأنيث: لسينة، وقد يجعل اللسان كناية عن كلمة السوء، كما في قول الشاعر: [الوافر] لسان السّوء تهديها إلينا... وحنت وما حسبتك أن تحينا

<<  <  ج: ص:  >  >>