هذا؛ و {لَدَيْهِمْ} ظرف مكان بمعنى: «عند» وهي معربة مثلها، وقد تستعملان في الزمان، وإذا أضيف «لدى» إلى مضمر كما هنا قلبت ألفه ياء عند جميع العرب، إلا بني الحارث بن كعب، وبني خناعة فلا يقلبونها تسوية بين الظاهر، والمضمر، كما لا يقلبون ألف على وإلى ونحوهما، وعلى لغتهم جاء قول الشاعر:[الوافر] إلاكم يا خناعة، لا إلانا... عزا النّاس الضّراعة والهوانا
فلو برأت عقولكمو بصرتم... بأنّ دواء دائكمو لدانا
وذلكمو إذا واثقتمونا... على قصر اعتمادكمو علانا
ثم اعلم: أن «عند» أمكن من: «لدى» من وجهين: أحدهما أنها تكون ظرفا للأعيان، والمعاني، تقول: هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به، ويمتنع ذلك في «لدى»، ذكره ابن الشجري في أماليه، ومبرمان في حواشيه. والثاني: أنك تقول: عندي مال، وإن كان غائبا، ولا تقول: لديّ مال إلا إذا كان حاضرا. قاله جماعة.
خاتمة: هذه الآية وأمثالها تنظر إلى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإنّ هذه الأمّة ستفترق إلى ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النّار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة». الحديث خرجه أبو داود، ورواه الترمذي وزاد فيه:
قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال:«ما أنا عليه وأصحابي». خرجه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وهذا يبين أن الافتراق المحذّر منه في الآية، والحديث إنما هو في أصول الدين وقواعده؛ لأنه قد أطلق عليها مللا، وأخبر أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار، ومثل هذا لا يقال في الفروع، فإنه لا يوجب تعديد الملل، ولا عذاب النار. انتهى.
قرطبي في غير هذا الموضع.
أقول: وإنما يعني-رحمه الله تعالى-المذاهب الأربعة المختلفة في بعض الأحكام، فأهل هذه المذاهب يطلق عليهم اسم أهل السنة، والجماعة؛ لأنهم هم المتمسكون بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسنة خلفائه الراشدين، وصحابته المهتدين، وعاضّون عليها بالنواجذ. والحمد لله رب العالمين.
بعد هذا: فالفرح لذة في القلب، بإدراك المحبوب، ولذا أكثر ما يستعمل في اللذات البدنية، وقد ذم الله الفرح في مواضع من كتابه، كقوله تعالى:{لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ،} وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} ولكنه مطلق، فإذا قيّد الفرح لم يكن ذمّا لقوله تعالى في حق الشهداء:{فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ،} وقال سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} أي: برحمته، وقال تعالى: {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ} هذا؛ وقد قال تعالى في