للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس المسكين الّذي تردّه اللّقمة، واللّقمتان، والتّمرة والتّمرتان، ولكن المسكين الّذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدّق عليه، ولا يقوم فيسأل النّاس». رواه البخاري، ومسلم. هذا؛ وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يسأل المسكنة، ويتعوذ بالله من الفقر، فعن أنس-رضي الله عنه-، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة». رواه الترمذي، ولو كان المسكين أسوأ حالا من الفقير؛ لما تعوذ بالله من الفقر، وسأله المسكنة. وقد توسعت في شرح الفقير، والمسكين في الآية رقم [٦١] من سورة (التوبة). {وَابْنَ السَّبِيلِ} أي: ابن الطريق المنقطع في سفره، ونفد ماله بأية وسيلة كانت، فقد أمر الله الموسرين بأن يعطوه ما يوصله بلده، ولو كان من أغنى الأغنياء في وطنه، وقد جعله الله أحد الأصناف الثمانية؛ الذين تصرف إليهم الزكاة في الآية رقم [٦٠] من سورة (التوبة).

هذا؛ وخص الله هؤلاء الثلاثة من بين الأصناف الثمانية بالذكر هنا؛ لأنه جلت قدرته أراد هاهنا بيان من يجب الإحسان إليه على كل من له مال، سواء أكان زكويا، أو لم يكن؟ وسواء أكان قبل الحول، أم لم يكن؟ لأن المقصود هنا الشفقة العامة، وهؤلاء الثلاثة يجب الإحسان إليهم، وإن لم يكن للإنسان مال زائد، وإن لم يكن مالكا للنصاب، والفقير داخل في المسكين؛ لأن من أوصى للمساكين بشيء يصرف إلى الفقراء أيضا. وإذا نظرت إلى الباقين من الأصناف رأيتهم، لا يجب صرف المال إليهم إلا على الذين وجبت الزكاة عليهم. وقدم القريب؛ لأن دفع حاجته واجب، سواء أكان في مخمصة، أو لم يكن، فلذلك قدم على من لا يجب دفع حاجته من غير مال الزكاة إلا إذا كان في شدة، وأما المسكين فحاجته ليست مختصة بموضع فقدم على من حاجته مختصة بموضع دون موضع، وهو ابن السبيل. انتهى. جمل نقلا عن كرخي.

وينبغي أن تعلم: أن (ذا) بمعنى: صاحب، ويجمع جمع تكسير: «ذوين، وذوون» وتحذف نونهما للإضافة، ويجمع على غير لفظه: «أولون، وأولين» وهو كثير مثل: أولو الألباب، وهذا ذكر في الآية رقم [٢٦] من سورة (الإسراء).

{ذلِكَ} أي: إنفاق المال إلى الفقراء والمساكين، ولا سيما الثلاثة المذكورون في هذه الآية.

{خَيْرٌ:} أفضل درجة، وأعظم مكانة. {لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ:} ذاته، أو جهته، أي: يقصدون إياه بمعروفهم ويريدون رضاه، فهو كقوله تعالى في حق أبي بكر الصديق-رضي الله عنه-: {وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى} فهم لا يريدون سمعة، ولا يقصدون ثناء، ولا شكورا من الناس. {وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي: الفائزون بمطلوبهم من الثواب في الآخرة، حيث بسط لهم من النعيم المقيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما قال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>