للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحسنات، حيث يعطون الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعين، إلى سبعمائة... إلخ، وفي الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة للتعظيم، كأنه خاطب به الملائكة، وخواص الخلق، تعريفا لحالهم، أو للتعميم كأنه قال: فمن فعل ذلك فأولئك هم المضعفون، هذا هو المتبادر للأذهان من فحوى هذه الآية. وقيل المراد: أن يهب الرجل للرجل، أو يهدي له؛ ليعوضه أكثر مما وهب، وأعطى، فليست تلك الزيادة بحرام ولكن المعوض لا يثاب على تلك الزيادة، وخذ ما ذكره الجمل ملخصا من القرطبي، رحمه الله تعالى.

قال-رحمه الله تعالى-: الربا: الزيادة، وقد مضى في البقرة معناه، وهو هناك محرم، وهاهنا حلال، وثبت بهذا: أنه قسمان، منه حلال، ومنه حرام. قاله عكرمة في قوله تعالى: {وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النّاسِ} قال: الربا نوعان: فربا حلال، وربا حرام، فأما الربا الحلال، فهو الذي يهدى يلتمس ما هو أفضل منه، وليس له فيه أجر، وليس عليه فيه إثم، ولذلك قال ابن عباس: {وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً} يريد هدية الرجل التي يرجو أن يثاب عليها أفضل منها، فذلك الذي لا يربو عند الله، ولا يؤجر صاحبه، ولكن لا إثم عليه، وفي هذا المعنى نزلت الآية.

قال ابن عباس، وابن جبير، وطاوس، ومجاهد: هذه الآية نزلت في هبة الثواب. قال ابن عطية: وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه، وهو إن كان لا إثم فيه؛ فلا أجر فيه، ولا زيادة عند الله، وقاله القاضي أبو بكر بن العربي. قال المهلب: واختلف العلماء فيمن وهب هبة يطلب ثوابها، وقال: إنما أردت الثواب، فقال مالك: ينظر فيه، فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له، فله ذلك، مثاله هبة الفقير للغني، وهبة الخادم لصاحبه، وهبة الرجل لأميره، ومن فوقه، وهو أحد قولي الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يكون له ثواب إذا لم يشترط، وهو قول الشافعي الآخر، وعن علي-رضي الله عنه-قال: المواهب ثلاثة: موهبة يراد بها وجه الله، وموهبة يراد بها ثناء الناس، وموهبة يراد بها الثواب، فموهبة الثواب يرجع فيها أي صاحبها إذا لم يثب عليها، بخلاف القسمين الآخرين، فلا يرجع فيهما صاحبهما. انتهى. بحروفه.

الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول مقدم، أو هي في محل رفع مبتدأ. {آتَيْتُمْ:} فعل، وفاعل، والمفعول الثاني محذوف على الوجه الأول في (ما)، والمفعولان محذوفان على الوجه الثاني فيها، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية على الوجه الأول في ما، وفي محل رفع خبرها على اعتبارها مبتدأ. {مِنْ رِباً:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من: (ما)، أو من ضميرها المقدر، و {مِنْ} بيان لما أبهم فيها. {لِيَرْبُوَا:} فعل مضارع منصوب ب‍: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل يعود إلى: {رِباً،} تقديره: «هو»، و «أن» المضمرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف صفة:

<<  <  ج: ص:  >  >>