للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ. {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} أي: جزاء وعقوبة بعض الذي عملوا من السيئات، والمعاصي في الدنيا، والعذاب الأليم، والعقاب الشديد الذي سيلقونه في الآخرة، وانظر الاستعارة في الآية رقم [٥٥] من سورة (العنكبوت).

{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ:} عن غيهم، وظلمهم، وارتكابهم المعاصي، واجتراحهم المنكرات، ولكن الناس في هذه الأيام لا يرجعون مع أن البلاء قد صب عليهم بجميع أنواعه، وألوانه، والشيء العجيب الغريب: أن كل واحد يرى الناس ضالين عاصين، ويتحدث بالحلال، والحرام، وينتقد الناس، وهو غارق في الضلال من الظلم وسوء الأعمال إلى فوق الأذقان، ورحم الله الكميت؛ إذ يقول: [الطويل] كلام النّبيّين الهداة كلامنا... وأفعال أهل الجاهليّة نفعل

جاءني شخص يبكي على الإسلام؛ لأن شخصا آخر يضع مئونة سنوية عشرين تنكة من الخمر، والناس معروفون بمناصرة الباطل، ومحاربة الحق، وإنني أؤكد أن ما يضعه الشخص مئونة سنوية من الخمر أهون عند الله من كلمة يقولها إنسان بالباطل، وأهون عند الله من خطوة يخطوها مجرم أثيم لنصرة باطل، وإضاعة حق.

هذا؛ والترجي في هذه الآية وأمثالها، إنما هو بحسب عقول البشر؛ لأن الله تعالى، لا يحصل منه ترج ورجاء لعباده، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

تنبيه: لقد كان أول فساد في الأرض قتل قابيل أخاه هابيل، فكانت الأرض قبل ذلك مونقة، نضرة مثمرة، لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها الثمر، وكان البحر عذبا، وكان السبع لا يصول على الغنم، ونحوها، فلما قتل قابيل هابيل؛ اقشعرت الأرض، ونبت الشوك في الأشجار، وصار ماء البحر ملحا، وتسلطت الحيوانات بعضها على بعض، ومن ذلك اليوم أخذ الكفر، والظلم، وارتكاب المعاصي ينتشر في الأرض، وكلما فسدت أمة يهلكها الله بسبب فسادها، وكل ذلك سجله القرآن الكريم. فاعتبروا يا أولي الأبصار، ولكن لا اعتبار، ولا استبصار!.

الإعراب: {ظَهَرَ:} فعل ماض. {الْفَسادُ:} فاعله. {فِي الْبَرِّ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {الْفَسادُ} التقدير: ظهر الفساد منتشرا في الأرض. والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {وَالْبَحْرِ:} معطوف على ما قبله. {بِما:}

جار ومجرور متعلقان بالفعل {ظَهَرَ،} و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة فهي مبنية على السكون في محل جر بالباء. {كَسَبَتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث حرف لا محل له.

{أَيْدِي:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، و {أَيْدِي} مضاف، و {النّاسِ} مضاف إليه، والجملة الفعلية صلة: (ما)، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير:

بسبب الذي، أو شيء كسبته أيدي الناس. وإن اعتبرت (ما) مصدرية؛ فالتقدير يكون: بكسبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>