تحقق ذلك كله، وذكر مطلع سورة الفتح، وسورة النصر بكاملها، والآية رقم [٥١] من سورة (غافر): {إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا..}. إلخ ثم قال: ومن الوعد المطلق قوله جل ثناؤه: {وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وقد تحقق نصر المؤمنين في مواطن عديدة: في بدر، والأحزاب، وحنين، وغير ذلك من المعارك العظيمة، التي شهدها تاريخ الإسلام، وذكر آيات من سورة (الأنفال) ثم قال: ومن الوعد المطلق قوله سبحانه: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا..}. إلخ الآية رقم [٥٥] من سورة (النور)، ومن الوعد المطلق أيضا قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ..}.
إلخ رقم [٣٣] من (التوبة) ورقم [٢٨] من سورة (الفتح)، ورقم [٩] من سورة (الصف).
أما الوعد المقيد فهو ما كان فيه شرط، كشرط التقوى، أو شرط الصبر، أو شرط نصرة دين الله، وما شابه ذلك، قال تعالى:{إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ} رقم [٧] من سورة (محمد) صلّى الله عليه وسلّم، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} رقم [٢ و ٣] من سورة الطلاق، وبعدها:{وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً،} وقد وعد المؤمنين بالنصر بشرط الصبر، كما قال تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٦٥]: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ..}. إلخ. انتهى. بتصرف كبير مني، وانظر شرح هذه الآيات في محالها.
هذا؛ وإذا كان الواحد القهار قد تعهد بنصر المؤمنين الصادقين؛ فالواجب على المؤمنين أن ينصر بعضهم بعضا في جميع أنحاء الدنيا بما يقدر عليه، ولو بالتأييد باللسان في المؤتمرات العالمية، والدولية، ومن ذلك الدفاع عنه، ونصره في غيبته؛ إذا تعرض أحد للطعن في عرضه، وجرح كرامته. وخذ ما يلي: فعن أبي الدرداء-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من ردّ عن عرض أخيه؛ ردّ الله عن وجهه النّار يوم القيامة». رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وفي رواية أخرى:«من ذبّ عن عرض أخيه ردّ الله عنه عذاب النّار يوم القيامة»، وتلا صلّى الله عليه وسلّم قوله تعالى:{وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.
وعن جابر بن أبي طلحة الأنصاري-رضي الله عنهم-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه؛ إلاّ خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته. وما من امرئ مسلم ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته؛ إلاّ نصره الله في موطن يحبّ فيه نصرته». رواه أبو داود.
وينبغي أن تعلم: أن نصر الله إنما هو للمؤمنين الصادقين، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فوقفوا عند حدوده، فعملوا بأحكام كتابه، واهتدوا بهدي نبيه. وأكد هذا المعنى في الآية رقم [٥١] من سورة (غافر) حيث قال: {إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ} وقد تجلى هذا النصر للمؤمنين الصادقين في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي عهد خلفائه الراشدين وما