للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَظَلُّوا} أي: ليظلّنّ، وحسن وقوع الماضي في موضع المستقبل؛ لما في الكلام من معنى المجازاة، والمجازاة لا تكون إلا في المستقبل. قاله الخليل، وغيره، ومعنى: (ظلوا) بقوا، وثبتوا على كفرهم، فليس المراد التوقيت في النهار، بل المراد من الفعل الاستمرار، كما في قوله تعالى:

{فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ} وهو يفيد: أنه بمعنى المستقبل، وهو مفاد كلام ابن هشام في المغني.

هذا؛ وظلوا: أصله ظللوا، فسكنت اللام الأولى بعد إسقاط حركتها، وأدغمت في الثانية، وذلك كراهة أن يجمع بين حرفين متحركين من جنس واحد في كلمة واحدة، وهذا يطّرد في كل مضعف، مثل: مدّوا، وشدّوا، فإذا اتصل به ضمير متحرك؛ وجب الفك، مثل قولك: ظللت ومددنا، وشددن، وتقول: ظللت أفعل ذلك، وظللت أفعله، وظلت أفعل ذلك وظلت أفعله: إذا كنت تفعله نهارا، وقد قرئ قوله تعالى في سورة (الواقعة): {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} بقراءات ثلاث.

قال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: وهذه الآيات ناعية على الكفار بقلة تثبتهم، وعدم تدبرهم، وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم، وسوء رأيهم، فإن النظر السوي يقتضي أن يتوكلوا على الله، ويلتجئوا إليه بالاستغفار؛ إذا احتبس القطر عنهم، ولا ييأسوا من رحمته، وأن يبادروا إلى الشكر، والاستدامة بالطاعة؛ إذا أصابهم برحمته، ولم يفرطوا في الاستبشار، وأن يصبروا على بلائه؛ إذا ضرب زروعهم بالاصفرار، ولا يكفروا نعمه. انتهى. ولكنهم عكسوا الأمر، وأبوا ما يجديهم، وأتوا ما يرديهم.

الإعراب: {وَلَئِنْ:} الواو: حرف استئناف. اللام: موطئة لقسم محذوف، تقديره: والله.

(إن): حرف شرط جازم. {أَرْسَلْنا:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، و (نا): فاعله. {رِيحاً:} مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَرَأَوْهُ:} الفاء: حرف عطف. (رأوه): فعل ماض، مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الجماعة، التي هي فاعله، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. {مُصْفَرًّا:} حال من الضمير المنصوب، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {لَظَلُّوا:} اللام: واقعة في جواب القسم. (ظلوا):

فعل ماض ناقص مبني على الضم، والواو اسمه، والألف للتفريق. {مِنْ بَعْدِهِ:} متعلقان بما بعدهما. وقيل: متعلقان بمحذوف حال. ولا وجه له. والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {يَكْفُرُونَ:} فعل مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب خبر: (ظلوا)، وجملة: {لَظَلُّوا..}. إلخ جواب القسم المدلول عليه باللام الموطئة، وجواب الشرط محذوف؛ لدلالة جواب القسم عليه، على القاعدة: «إذا اجتمع شرط، وقسم فالجواب للسابق منهما». قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-: [الرجز] واحذف لدى اجتماع شرط وقسم... جواب ما أخّرت فهو ملتزم

والقسم، وجوابه، والشرط أيضا كله كلام مستأنف لا محل له.

<<  <  ج: ص:  >  >>