للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحلّ تعليم المغنيات، ولا بيعهنّ، وأثمانهنّ حرام». وفي مثل ذلك نزلت هذه الآية. {وَمِنَ النّاسِ..}. إلخ «وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله له شيطانين:

أحدهما على هذا المنكب، والآخر على هذا المنكب، فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الّذي يسكت». أخرجه الترمذي.

وهذا لفظه عن أبي أمامة: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تبيعوا القينات المغنّيات، ولا تشتروهنّ، ولا تعلّموهنّ، ولا خير في تجارة فيهنّ، وثمنهنّ حرام». وفي مثل هذا نزلت:

{وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ..}. إلخ. معنى {يَشْتَرِي:} يستبدل، ويختار الغناء، والمزامير، والمعازف على القرآن. وقال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود-رضي الله عنه-عن هذه الآية، فقال: هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو (يرددها ثلاث مرات). هذا؛ وقيل: الغناء منفدة للمال، مسخطة للرب، مفسدة للقلب.

هذا؛ والإضافة معناها التبيين على حد قولهم: باب ساج، وخاتم حديد، فيكون المعنى:

ومن الناس من يشتري اللهو من الحديث، والمراد بالحديث: الحديث المنكر. ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى من التبعيضية كأنه قيل: ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه.

{لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ:} عن دين الإسلام، وعن سماع القرآن. وقرئ بضم الياء، فيكون المعنى ليضل غيره. وقرئ بفتح الياء، فيكون المعنى: ليثبت على ضلاله. وفي اشتراء لهو الحديث استعارة تصريحية واضحة، لا خفاء فيها.

{بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي: بحال ما يشتريه، وما يجره عليه من الوبال، أو بالتجارة؛ لأن شأن التاجر أن يشتري من أجل الربح، وهو خاسر في تجارته، قال تعالى: {فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} أي: وما كانوا مهتدين للتجارة، بصراء فيها. {وَيَتَّخِذَها هُزُواً:} يقرأ الفعل بالرفع، والنصب، ويقرأ بسكون الزاي والهمز، وبضم الزاي والهمز، وبضم الزاي بلا همز، وهو بجميع قراءاته مصدر: هزأ، يهزأ، هزءا من باب: فتح، ويأتي من باب: تعب. {أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} أي: شديد، يهينهم لإهانتهم الحق باستئثارهم الباطل.

تنبيه: (من) مفرد لفظا، جمع معنى، روعي لفظها، أولا في ثلاثة ضمائر «يشتري، ويضلّ، ويتخذ» وروعي معناها ثانيا في موضعين، وهما: {أُولئِكَ لَهُمْ} ثم رجع إلى مراعاة اللفظ في خمسة ضمائر، وهي في الآية التالية.

هذا؛ وجمع الحديث: أحاديث شذوذا، انظر جمع الباطل في الآية رقم [٥٢] من سورة (العنكبوت) فهو مثله، وأصل {مُهِينٌ} «مهين» فهو اسم فاعل من أهان الرباعي، فقل في إعلاله: نقلت كسرة الياء إلى الهاء قبلها بعد سلب سكونها؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ومثله قل في إعلال {مُبِينٌ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>