للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مَهِينٍ،} وما في الآية التي نحن بصدد شرحها، حيث وقعت {كُلَّ} في حيز النفي فتفيد أن المنفي الشمول، وأن البعض ثابت له المحبة من الله.

والجواب عن الآيات: أن دلالة المفهوم إنما يعول عليها عند عدم المعارض، وهو هنا موجود؛ إذ دل الدليل، وهو الإجماع على تحريم الاختيال، والفخر، والحلف، والكفر مطلقا.

ومستند هذا الإجماع الأحاديث الشريفة الكثيرة. هذا؛ ويعبر عما تقدم ب‍: سلب العموم، وعموم السلب.

هذا؛ وفي الآية الكريمة نهي عن الكبر، والتكبر، والفخر، والتفاخر، والخيلاء، وقد نهى الله عنه في كثير من الآيات القرآنية، وبين أنه يكون سببا في صرف العبد المتكبر عن قبول الحق، واتباع الهوى، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}.

والرسول صلّى الله عليه وسلّم شدد النكير على المتكبرين، وتوعدهم بالعقاب الشديد، والعذاب الأليم، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده-رضي الله عنهم-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّرّ في صور الرّجال، يغشاهم الذّلّ من كلّ مكان، يساقون إلى سجن في جهنّم، يقال له: بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النّار، طينة الخبال». رواه النسائي والترمذي.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر». فقال رجل: إنّ الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنا، قال:

«إنّ الله جميل يحبّ الجمال، الكبر بطر الحقّ، وغمط النّاس». رواه مسلم والترمذي.

هذا؛ وإن الكبر ليس سببه الغنى، وعلو المنصب، والجاه، أو قوة الجسم، وغير ذلك، وإنما هو من شيم النفوس الخبيثة، والطبائع الوضيعة الدنيئة، فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم والكبر، فإنّ الكبر يكون في الرّجل، وإنّ عليه العباءة».

رواه الطبراني في الأوسط.

لذا لا يتكبر إلا ناقص العقل، أو ناقص الدين، أو الحقير الدنيء فيحاول أن يكمل نقصه عن طريق الكبرياء، والتظاهر بالعظمة، ورحم الله من يقول: [الكامل] ملأى السّنابل تنحني بتواضع... والفارغات رءوسهنّ شوامخ

وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لينتهينّ أقوام يفتخرون بآبائهم الّذين ماتوا، إنّما هم فحم جهنّم، أو ليكوننّ أهون على الله عزّ وجلّ من الجعل الّذي يدهده الخرء بأنفه، إنّ الله أذهب عنكم عيبة الجاهليّة، وفخرها بالآباء، إنّما هو مؤمن تقيّ، وفاجر شقيّ، النّاس كلّهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب». رواه الترمذي. وخذ قول الشاعر: [الطويل] تواضع تكن كالنّجم لاح لناظر... على صفحات الماء، وهو رفيع

<<  <  ج: ص:  >  >>