للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دبيب المتماوت، المظهر الضعف، والزهد كذبا، ورياء، ونفاقا، فالإسراع منهي عنه؛ لأنه من الخيلاء، والتأني، والتباطؤ منهي عنه؛ لأن فيه إظهار الضعف تزهدا، وكلا الطرفين مذموم؛ بل ليكن المشي بين السكينة، والوقار. هذا؛ وقرئ بقطع همزة: (أقصد) من: أقصد الرامي: إذا سدد سهمه نحو الرمية، قال الأخطل التغلبي: [الطويل] فإن كنت قد أقصدتني إذ رميتني... بسهمك فالرّامي يصيد ولا يدري

{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ:} أي أنقص منه، وأقصر، ولا تتكلف رفع صوتك، فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف، ويؤذي، والمراد بذلك كله التواضع، وقد قال عمر-رضي الله عنه-لأبي محذورة سمرة بن معير المؤذن، وقد رفع صوته بأكثر من طاقته: لقد خشيت أن ينشق مريطاؤك، أي ما بين السرة إلى الركبة. هذا؛ ويستثنى الخطيب؛ إذا صعد المنبر، فإنه يحق له أن يرفع صوته ما أمكنه، فإنه أوقع أثرا في القلوب، وأردع، وأزجر عن المعاصي، والمنكرات. ودليلنا ما يلي: فعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه، كأنّه منذر جيش، يقول. «صبّحكم ومسّاكم». ويقول: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه: السّبّابة، والوسطى... إلخ». رواه مسلم، وابن ماجة، وغيره، ويستثنى أيضا المظلوم في حقه، المهضوم في عمله، فإنه يحق له أن يجهر ويرفع صوته؛ بل وينطق بالكلام السوء حتى يصل إلى حقه، ويدفع الظلم عن نفسه. دليلنا قوله تعالى في الآية رقم [١٤٨] من سورة (النساء):

{لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً}.

{إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ:} أقبحها، وأوحشها. {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ:} لأن أوله زفير، وآخره شهيق كصوت أهل النار، وفي الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنّها رأت شيطانا». وقد روي: أنه ما صاح حمار، ولا نبح كلب إلا أن يرى شيطانا، وما صاح ديك إلا أن يرى ملكا. وقال سفيان الثوري: صياح كل شيء تسبيح إلا نهيق الحمار. وفي تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير، وتمثيل أصواتهم بالنهاق تنبيه على أن رفع الصوت في غاية الكراهة، ويؤيده ما روي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يعجبه أن يكون الرجل خفيض الصوت، ويكره أن يكون مجهور الصوت، وقد كانت العرب تفخر بجهارة الصوت الجهير، فمن كان منهم أشد صوتا كان أعز، ومن كان أخفض صوتا كان أذل، حتى قال شاعرهم: [المتقارب] جهير الكلام، جهير العطاس... جهير الرّواء جهير النّعم

ويعدو على الأين عدو الظّليم... ويعلو الرّجال بخلق عمم

الرواء: المنظر الحسن. النّعم: الإبل. الأين: التعب. الظليم: الذكر من النعام. بخلق عمم: أي: خلق تام. هذا؛ وفي تمثيل الصوت المرتفع بصوت الحمار، ثم إخراجه مخرج

<<  <  ج: ص:  >  >>