أثبت: أنه تنزيل من رب العالمين، وأن ذلك مما لا ريب فيه، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله:
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} أي: افتعله واختلقه محمد صلّى الله عليه وسلّم. {بَلْ هُوَ} أي: القرآن. {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ:}
هذا تقرير له، وتثبيت أنه منزل من عند الله. {لِتُنْذِرَ قَوْماً:} هم قريش قاله قتادة، كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير من قبل محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وقال الخازن: المراد ب: {قَوْماً} العرب؛ لأنهم كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير قبل محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم. وأعتمد الأول؛ لأن دعوة قريش دعوة العرب عامة لما لها من زعامة على العرب قاطبة، وجميع العرب ينظرون إليها نظرة إجلال، وتقدير، واحترام لشرف نسبها، وحرمة البيت الموجود في بلدها، ولا تنس الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في الآية، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦] من سورة (يس) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.
والنذير: هو المبشر على عمل الخير خيرا، والمخوف من عمل الشر، وموعد عليه شرا.
{لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي: إلى طريق الحق، والصواب، فيصدقونك ويؤمنون بالقرآن المنزل عليك. هذا؛ والترجي في هذه الآية، وأمثالها إنما هو بحسب عقول البشر؛ لأن الله تعالى لا يحصل منه ترج، ورجاء لعباده، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، أو الترجي معتبر من جهته صلّى الله عليه وسلّم، أي: لتنذرهم راجيا لاهتدائهم.
الإعراب:{أَمْ:} حرف عطف بمعنى «بل» الإضرابية الإبطالية. {يَقُولُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والجملة الفعلية مع مقولها مستأنفة، لا محل لها. {اِفْتَراهُ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره:«هو»، يعود إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإن لم يتقدم له ذكر، وهو مفهوم يدل عليه المقام، وانظر الآية رقم [١٦] من سورة (لقمان)، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول. {بَلْ:} حرف عطف وإضراب انتقالي. وقيل: إبطالي أيضا. {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الْحَقُّ:} خبره، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {مِنْ رَبِّكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من {الْحَقُّ،} والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {لِتُنْذِرَ:} فعل مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل مستتر، تقديره: أنت، و «أن» المضمرة، والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال ثانية من {الْحَقُّ،} أو هما متعلقان بفعل محذوف، التقدير: أنزله للإنذار، وعلى الأول لا يوقف على {رَبِّكَ} وعلى الثاني يوقف، وتكون الجملة الفعلية المقدرة