وسمعا، والمصدر لا يجمع؛ لأنه اسم جنس يقع على القليل، والكثير، فلا يحتاج فيه إلى تثنية، أو جمع. وقيل: وحّد السمع؛ لأن مدركاته نوع واحد، وهو الصوت، ومدركات البصر والقلب مختلفة، والأفئدة جمع فؤاد، وهو القلب.
{قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ} أي: شكركم قليل على نعم هذه الجوارح؛ التي خلقها الله لكم، وهي أساس منفعتكم في هذه الدنيا. وإنما كان شكركم قليلا؛ لأنكم لم تعرفوا عظم هذه النعم، ووضعتموها في غير مواضعها؛ لأنكم لم تعملوا، وتستخدموا أبصاركم، وأسماعكم في آيات الله، وأفعاله، ولم تستدلوا بقلوبكم على نعم الله وأفضاله. وفيه تنبيه على أن من لم يستعمل هذه الجوارح فيما خلقت له، فهو بمنزلة عادمها، لقوله تعالى:{فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية رقم [٢٦] من سورة (الأحقاف). هذا وحقيقة الشكر:
صرف كل نعمة لما خلقت له، واستخدامها في طاعة الله عز وجل، والفعل: شكر يتعدى بنفسه، وبحرف الجر، تقول: شكرت زيدا، وشكرت له، كما تقول: نصحته، ونصحت له. هذا؛ ولا تنس الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، فإن الأول مراد به آدم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-والثاني مراد به ذريته في كل زمان، ومكان.
الإعراب:{ثُمَّ:} حرف عطف. {سَوّاهُ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، والفاعل يعود إلى {اللهُ} تعالى، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة الصلة لا محل لها مثلها. {وَنَفَخَ:} الواو: حرف عطف.
(نفخ): فعل ماض، والفاعل يعود إلى {اللهُ}. {فِيهِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعول به. {مِنْ رُوحِهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من الفاعل المستتر، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية:{وَنَفَخَ..}.
إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا. (جعل): فعل ماض، والفاعل يعود إلى الله أيضا. {لَكُمُ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {السَّمْعَ:} مفعول به، وما بعده معطوف عليه، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.
{قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ:} لقد ذكر ابن هشام-رحمه الله تعالى-في مغني اللبيب في هذه الجملة، وأمثالها إعرابا، فأنا أنقله لك باختصار، فقال:{ما} محتملة لثلاثة، أوجه:
أحدها: الزيادة، فتكون لمجرد تقوية الكلام، فتكون حرفا باتفاق، و {قَلِيلاً} بمعنى النفي، وإما لإفادة التقليل، مثلها في:«أكلت أكلا ما» وعلى هذا يكون تقليلا بعد تقليل.
الثاني: النفي، و {قَلِيلاً} نعت لمصدر محذوف، أو لظرف محذوف؛ أي: شكرا قليلا، أو زمانا قليلا.