للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالك الرّومي، وهو عربي الأصل سباه الرّوم، وهو صغير، فجلب إلى مكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان. وقيل: بل هرب من الرّوم، فقدم مكة، وحالف ابن جدعان، وكان-رضي الله عنه-من السّابقين إلى الإسلام، شهد بدرا، والمشاهد كلّها، وتوفي بالمدينة سنة ثمان وثلاثين.

قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: نزلت الآية في صهيب-رضي الله عنه-. وذلك: أنّه لمّا أراد الهجرة، منعه كفار قريش أن يهاجر بماله، وأخذوه، وعذبوه، فقال لهم: إنّي شيخ كبير، ولا يضركم: أمنكم كنت، أم من غيركم؟ فهل لكم أن تأخذوا مالي، وتذروني، وديني؟! ففعلوا ذلك، وكان شرط عليهم رحله، ونفقة. وفي رواية ثانية: خرج من مكة مهاجرا، فلحقه نفر من قريش، فنزل عن راحلته، وانتثل ما في كنانته، وأخذ قوسه، وقال: لقد علمتم أنّي من أرماكم، وايم الله! لا تصلون إليّ؛ حتى أرمي بما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي بيدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم! فقالوا: لا نتركك تذهب عنا غنيّا، وقد جئتنا صعلوكا، ولكن دلّنا على مالك بمكة، ونخلي عنك. فعاهدوه على ذلك، ففعل، فلمّا قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال له: «ربح بيعك أبا يحيى»، وتلا عليه الآية. وفي رواية: تلقّاه أبو بكر، وعمر-رضي الله عنهما- ورجال، فقال له الصّدّيق: ربح بيعك أبا يحيى، فقال له صهيب: وبيعك فلا يخسر! فما ذاك؟ فقال: أنزل الله فيك كذا. وقرأ عليه الآية الكريمة.

{يَشْرِي نَفْسَهُ:} يبيعها، بمعنى: يبذلها في طاعة الله من صلاة، وصيام، وحجّ، وجهاد، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر. وقال تعالى عمّا فعل إخوة يوسف فيه: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي: باعوه، وأصله: الاستبدال، ومنه قوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [١١١]: {إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ..}. إلخ. ومنه قول الشاعر: [الطويل]

وإن كان ريب الدّهر أمضاك في الألى... شروا هذه الدّنيا بجنّاته الخلد

{اِبْتِغاءَ:} ابتغاء طلب مرضاة الله. {وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ} حيث أرشدهم إلى مثل هذا الشراء، وكلّفهم بالجهاد، فعرضهم لثواب الغزاة، والشّهداء. هذا؛ والرأفة: أشدّ الرحمة، و {رَؤُفٌ} صيغة مبالغة، ومن رأفة الله بعباده أن جعل النّعيم الدائم في الجنة جزاء على العمل القليل المنقطع، ومن رأفته: أنّه يقبل توبة عبده المذنب، ومن رأفته: أن نفس العباد، وأموالهم ملكه، ثم إنه تعالى يشتري ملكه بملكه فضلا منه، ورحمة، وإحسانا. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٤٣] فإنه جيد، والحمد لله!.

الإعراب: {وَمِنَ النّاسِ} انظر الآية رقم [٢٠٤] فهو مثله بلا فارق. {يَشْرِي:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل يعود إلى {مِنَ}. {نَفْسَهُ:} مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية صلة: {مِنَ،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط الضمير المجرور محلاّ بالإضافة. {اِبْتِغاءَ} مفعول لأجله، وهو مضاف، و {مَرْضاتِ} مضاف

<<  <  ج: ص:  >  >>