الصّبر مثل اسمه مرّ مذاقته... لكن عواقبه أحلى من العسل
وبالجملة فنفع الصبر مشهور، والحض عليه في الكتاب، والسنة مقرر مسطور، وهو على ثلاثة أنواع: صبر على الطاعة، وصبر على المعصية، وصبر على البلاء. ولا تنس: أن من أسماء الله تعالى: الصبور، وفسر بالذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه. هذا؛ وقد قال تعالى:{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} أي: طلبا لمرضاته، وهذا هو الصبر المحمود، وهو أن يكون الإنسان صابرا لوجه الله تعالى، راضيا بما نزل به من الله، طالبا بذلك الصبر ثواب الله تعالى، محتسبا أجره على الله، فهذا هو الصبر الذي يدخل صاحبه رضوان الله، وأما إذا صبر الإنسان؛ ليقال: ما أكمل صبره! وما أشد قوته على تحمل النوائب! أو يصبر؛ لئلا يعاب على الجزع، أو يصبر؛ لئلا تشمت به الأعداء، فهذا كله مذموم، لا ينيل صاحبه الدرجات العلى، والمقام الرفيع عند الله، وقد يعرضه لشديد غضب الله، ونقمته.
ثم اعلم: أن الصبر ذكر في القرآن الكريم في خمسة وتسعين موضعا، ومن أجمعها آية (البقرة) وهي قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ..}. إلخ الآية رقم [١٥٥] وما بعدها من سورة (البقرة)، ومن آنقها قوله تعالى في سورة (ص) في حق أيوب-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً} قرن هاء الصبر بنون العظمة، ومن أبهجها قوله تعالى في سورة (الرعد): {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ}.
فائدة: قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً،} وقال: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ،} وقال:
{وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً}. فقالوا: الصبر الجميل هو الذي لا شكاية معه، والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه، والهجر الجميل هو الذي لا أذية معه، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٠] من سورة (الزمر).
الإعراب:{وَجَعَلْنا:} الواو: حرف عطف. (جعلنا): فعل، وفاعل. {مِنْهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {أَئِمَّةً} كان نعتا له، فلما قدم عليه صار حالا على القاعدة:«نعت النكرة إذا تقدم عليه صار حالا» وقيل: الجار والمجرور مفعول به ثان تقدم على الأول، وهو غير وجيه. {أَئِمَّةً:} مفعول به. {يَهْدُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب صفة {أَئِمَّةً}. {بِأَمْرِنا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. وقيل: متعلقان بمحذوف حال، ولا وجه له. و (نا): ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {لَمّا:} ظرف بمعنى حين متعلق بالفعل: {يَهْدُونَ،} وقال الجمل: وجوابها محذوف دل عليه: {وَجَعَلْنا مِنْهُمْ،} أو هو نفسه الجواب، والتقدير: ولما صبروا؛ جعلنا منهم أئمة، وأرى أن لا جواب لها.