للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم خرج حتى أتى قريشا، فقال لأبي سفيان، ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودي إياكم، وفراقي محمدا، فقد بلغني أمر رأيت حقا عليّ أن أبلغكم نصحا لكم، فاكتموا عليّ! قالوا: نفعل. قال: تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا بينهم، وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش، وغطفان رجالا من أشرافهم، فنعطيكهم، فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم؟ فأرسل إليهم أن نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا من رجالكم؛ فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا.

ثم خرج حتى أتى غطفان، فقال: يا معشر غطفان! أنتم أهلي وعشيرتي، وأحب الناس إليّ، ولا أراكم تتهمونني، قالوا: صدقت! قال: فاكتموا عليّ! قالوا: نفعل، فقال لهم: مثل ما قال لقريش، وحذرهم مثل ما حذرهم. ثم إن أبا سفيان، ومن على شاكلته أرسلوا إلى بني قريظة يقولون لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف، والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا، ونفرغ مما بيننا، وبينه، فأرسلوا إليهم: لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا؛ حتى نناجز محمدا، فإننا نخشى إن ضرستكم الحرب، واشتد عليكم القتال أن تسيروا إلى بلادكم، وتتركونا والرجل، ولا طاقة لنا بذلك من محمد. فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة، قالت قريش، وغطفان: تعلمنّ والله إن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود لحقّ! فأرسلوا إلى بني قريظة، والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا! فإن كنتم تريدون القتال؛ فاخرجوا، فقاتلوا. فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحقّ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا، فإن وجدوا فرصة؛ انتهزوها، وإن كان غير ذلك؛ شمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم، وبين الرجل في بلدكم. فأرسلوا إلى قريش، وغطفان إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا! فأبوا عليهم، وخذل الله عزّ وجلّ بينهم. رضي الله عنك، وأرضاك يا نعيم بن مسعود!

ثم بعث الله الرياح في ليلة شاتية، شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح آنيتهم. فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح، وجنود الله بهم، فقال: يا معشر قريش! إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع، والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، فارتحلوا، فإني مرتحل. ورجعوا خائبين، كما قال تعالى: {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً..}. إلخ. وانظر شرح الآيات آية آية؛ يتضح لك ذلك أكثر، فأكثر.

والله الموفق، والمعين، وبه أستعين.

الإعراب: (يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو. (أيها): نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب ب‍: (يا)، و (ها): حرف تنبيه، لا محل له، أقحم للتوكيد، وهو عوض من المضاف إليه. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع بدل من: (أيها)، أو عطف بيان

<<  <  ج: ص:  >  >>