{فَارْجِعُوا} أي: إلى منازلكم هاربين. وقيل المعنى: لا مقام لكم على دين محمد صلّى الله عليه وسلّم فارجعوا إلى الشرك، وسلموا؛ لتسلموا، ويروى: أن يهود بني قريظة قالوا لعبد الله بن أبي ابن سلول، وأصحابه من المنافقين: ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان وأصحابه، فارجعوا إلى المدينة، فإنا مع القوم، فأنتم آمنون. {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} أي: في الرجوع إلى منازلهم بالمدينة، وهم بنو حارثة بن الحارث. وقيل: هو أوس بن قيظي، وجماعة من قومه.
{يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ} أي: غير حصينة، وهي ما يلي العدو، ويخشى عليها من السراق.
وقرئ: «(عورة)» بكسر الواو، يعني: قصيرة الجدران فيها خلل، تقول العرب: دار فلان عورة إذا لم تكن حصينة. وقد أعور الفارس: إذا بدا فيه خلل للضرب، والطعن. قال الشاعر:[الطويل] متى تلقهم لم تلق في البيت معورا... ولا الضيف مفجوعا ولا الجار مرملا
{وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ:} تكذيب لهم، وردّ عليهم فيما ذكروه، وادّعوه. {إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِراراً} أي:
ما يريدون إلا الهرب من الحرب، أو من الدين. هذا؛ وحكى النقاش: أن هذه الآية نزلت في قبيلتين من الأنصار: بني حارثة، وبني سلمة، وهموا أن يتركوا مراكزهم يوم الخندق، وفيهم أنزل الله تعالى:{إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا}. ويرده: أن هذا حصل في غزوة أحد، انظر الآية رقم [١٢٢] من سورة (آل عمران). وقال السدي: الذي استأذنه منهم رجلان من الأنصار: أوس بن قيظي، وأبو عرابة بن أوس. قال الضحاك: ورجع ثمانون رجلا بغير إذن.
الإعراب:{وَإِذْ:} الواو: حرف عطف. (إذ): معطوف على ما قبله، وقال مكي: العامل فيه، وفي سابقه فعل مضمر، تقديره: واذكر يا محمد إذ يقول، وإذ قالت، وعليه فالظرف مفعول به، أو هو مفعول فيه لهذا المقدر، وقد مر معنا كثير مثله. {قالَتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث.
{طائِفَةٌ:} فاعله. {مِنْهُمْ:} متعلقان بمحذوف صفة {طائِفَةٌ،} وجملة: {قالَتْ..}. إلخ في محل جر بإضافة:(إذ) إليها. (يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو. (أهل): منادى، وهو مضاف، و {يَثْرِبَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. {لا:} نافية للجنس تعمل عمل «إن». {مُقامَ:} اسم {لا} مبني على الفتح في محل نصب. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر {لا} والجملة الاسمية، والجملة الندائية كلتاهما في محل نصب مقول القول. {فَارْجِعُوا:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن شرط مقدر، التقدير: وإذا كان ما ذكر حاصلا، وواقعا؛ فارجعوا. و (ارجعوا): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، ومتعلقه محذوف، كما رأيت في الشرح، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب للشرط المقدر، والجملة الشرطية في محل نصب مقول القول.
{وَيَسْتَأْذِنُ:} الواو: حرف عطف. (يستأذن): فعل مضارع. {فَرِيقٌ:} فاعل. {مِنْهُمْ:}
جار ومجرور متعلقان ب:{فَرِيقٌ،} أو بمحذوف صفة له. {النَّبِيَّ:} مفعول به، وجملة: