للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معه الحرب، فإنا نخاف عليكم الهلاك، وما محمد، وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحما؛ لالتهمهم أبو سفيان، وأصحابه! دعوا الرجل؛ فإنه هالك!.

والآية نزلت في المنافقين بلا ريب، وذلك: أن اليهود أرسلوا إليهم حين أقبلت قريش بحلفائها، وحاصروا المدينة المنورة، وقالوا لهم: ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان، ومن معه، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرة؛ لم يستبقوا منكم أحدا، وإنا نشفق عليكم، فأنتم جيراننا، وإخواننا هلموا إلينا! فأقبل عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وأصحابه على المؤمنين يعوقونهم، ويخوفونهم بأبي سفيان، ومن معه، وقالوا لهم ما تقدم، فلم يزدد المؤمنون بقول المنافقين إلا إيمانا، واحتسابا. {وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ:} ولا يحضرون القتال. {إِلاّ قَلِيلاً} أي: إلا زمانا، أو إتيانا قليلا. وقيل: إلا رياء، ومداراة للمؤمنين. والبأس: الحرب.

{هَلُمَّ:} اسم فعل أمر، بمعنى: احضروا. وفيه لغتان: لغة أهل الحجاز، ولغة بني تميم، فأما لغة الحجاز، وبها جاء التنزيل، فإنها بصيغة واحدة للمفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، نحو: هلمّ يا زيد، هلمّ يا زيدان، هلمّ يا زيدون، هلمّ يا هندان، هلمّ يا هندات، وهي على هذه اللغة: اسم فعل أمر لعدم تغيرها، والتزمت العرب فيها فتح الميم على هذه اللغة، وهي حركة بناء، بنيت على الفتح تخفيفا. وأما لغة بني تميم، وقد نسبها الليث إلى بني سعد، فتلحقها الضمائر، كما تلحق سائر الأفعال، فيقال: هلمّا يا زيدان، هلمّوا يا زيدون، هلمّي يا هند، هلمّنّ يا هندات. وقال الفراء: يقال هلمّين يا نسوة، وهي على هذه اللغة فعل صريح لا يتصرف. هذا قول الجمهور، وقد خالف بعضهم في فعليتها على هذه اللغة، وليس بشيء، فالتزمت العرب فيها أيضا على لغة بني تميم فتح الميم؛ إذا كانت مسندة لضمير الواحد المذكر، ولم يجيزوا فيها ما أجازوه في:

ردّ، وشدّ، من الضم، والكسر. انتهى. جمل نقلا عن السمين، ومثله في قطر الندى، ولكنه أخصر.

هذا؛ وأصله عند البصريين: هالمّ من: لمّ إذا قصد، حذفت الألف لتقدير السكون في اللام، فإنه الأصل، وعند الكوفيين أصله: هل أمّ، فحذفت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام، وهو بعيد؛ لأن هل لا تدخل على الأمر، ويكون متعديا كما في آية الأنعام رقم [١٥٠]: {قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ..}. إلخ ولازما، كما في الآية التي بين أيدينا: {هَلُمَّ إِلَيْنا} والأولى بمعنى:

أحضروهم من الرباعي، وهنا بمعنى: احضروا من الثلاثي، أو بمعنى: تعالوا. وكلام الزمخشري هنا مؤذن بأنه متعد أيضا، وحذف مفعوله، فإنه قال: هلمّوا إلينا، أي: قربوا أنفسكم إلينا. وأخيرا أقول: وهو جامد على الاعتبارين، لا يأتي منه مضارع، أو اسم مضارع، ولا ماض، ولا اسمه. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

الإعراب: {قَدْ:} حرف تحقيق هنا. ومفيد للتكثير. {يَعْلَمُ:} فعل مضارع. {اللهُ:}

فاعله. {الْمُعَوِّقِينَ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>