للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ... إلخ، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:

«سيشتدّ الأمر باجتماع الأحزاب عليكم، والعاقبة لكم عليهم». وكان قد قال لهم أيضا: «إنهم سائرون إليكم بعد تسع، أو عشر». قاله قتادة.

{وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ:} روى كثير بن عبد الله، بن عمرو المزني عن أبيه، عن جده، قال:

خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام جاءت الأحزاب، فقال: «أخبرني جبريل-عليه السّلام-أن أمتي ظاهرة عليها-يعني على قصور الحيرة، ومدائن كسرى-فأبشروا بالنصر!». فاستبشر المسلمون، وقالوا: الحمد لله، موعد صادق؛ إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر. فطلعت الأحزاب، فقال المؤمنون: {هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ}. وقولهم هذا في مقابلة قول المنافقين:

{ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً}. وقولهم: {وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ} ليس إشارة إلى ما وقع، فإنهم كانوا يعرفون صدق الله ورسوله قبل الوقوع، وإنما هو إشارة إلى البشارة في جميع ما وعد، مثل فتح مكة، وفتح بلاد الروم، وبلاد فارس.

{وَما زادَهُمْ} أي: البلاء، أو شدة الخطب، أو الذي رأوه من مجيء الأحزاب، أو الوعد، أو الصدق. {إِلاّ إِيماناً:} بالله {وَتَسْلِيماً:} لحكمه، وإرادته. هذا؛ والفعل «زاد» ضد: نقص، يكون لازما، كقولك: زاد المال درهما، ويكون متعديا لمفعولين، كما في الآية الكريمة، وقولك: زاد الله خالدا خيرا، بمعنى جزاه الله خيرا، وأما قولك: زاد المال درهما، والبر مدا، فدرهما ومدا تمييز، ومثله قل في «نقص» فمن المتعدّي لمفعولين قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً}.

تنبيه: في إعادة الاسمين وتكريرهما التعظيم، والتكريم، ولأنه لو أعادهما مضمرين، لجمع بين اسم الله تعالى، واسم رسوله في لفظة واحدة، فكان يقول: وصدقا، والنبي صلّى الله عليه وسلّم قد كره ذلك، ورد على من قاله، حيث قال: «من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما؛ فقد غوى» فقال له: «بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله؛ فقد غوى». قصدا إلى تعظيم الله، وعليه استشكل بعضهم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله، أحبّ إليه مما سواهما... إلخ». الحديث رواه أنس بن مالك، رضي الله عنه، فقد جمع بينهما في ضمير واحد، وأجيب بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أعرف بقدر الله منا، فليس لنا أن نقول كما يقول. انتهى. جمل نقلا عن السمين.

الإعراب: {وَلَمّا:} الواو حرف استئناف. (لما): حرف وجود عند سيبويه. وبعضهم يقول:

حرف وجوب لوجوب، وهي ظرف بمعنى حين عند ابن السراج، والفارسي، وابن جني، وجماعة، تتطلب جملتين مرتبطتين ببعضهما ارتباط فعل الشرط بجوابه، وصوب ابن هشام الأول، والمشهور الثاني. {رَأَ:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>