للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ:} وفى نذره بأن قاتل؛ حتى قتل، كحمزة، ومصعب بن عمير، وأنس بن النضر، وغيرهم، رضوان الله عليهم. والنحب: النذر، استعير للموت؛ لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان، قال لبيد رضي الله عنه: [الطويل] ألا تسألان المرء ماذا يحاول... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل؟

وقال القرطبي: النحب: النذر، والعهد، والموت، والحاجة، والمدة. {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} أي: من بقي من المؤمنين ينتظر أحد الأمرين: إما الشهادة، وإما النصر على الأعداء. {وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} أي: وفوا بعهودهم، ولم ينقضوها، ولم يغيروا شيئا مما عاهدوا الله، ورسوله عليه.

عن خباب بن الأرت-رضي الله عنه-قال: «هاجرنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنّا من مات، ولم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، وترك نمرة، وكنا إذا غطّينا بها رأسه؛ بدت رجلاه، وإذا غطّينا بها رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نغطّي رأسه ونجعل على رجليه من الإذخر. ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهدبها» متفق عليه. النمرة: كساء ملون من صوف، وقوله: «منا من أينعت له ثمرته»، أي: أدركت ونضجت له ثمرته، وهذه استعارة لما فتح الله عليهم من الدنيا، وقوله: يهدبها؛ أي: يجتنيها، ويقطعها.

تنبيه: الشهداء على ثلاثة أنواع: شهيد الدنيا، وشهيد الآخرة، وشهيد الدنيا والآخرة، فالأول: من قاتل للسمعة، والشهرة، أو للمغنم، أو كان غير كامل الإيمان، فهذا تجري عليه أحكام الشهيد في الدنيا، فلا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه؛ بل يلف بثيابه، وبدمه، ويدفن في الأرض إن عثر على جثته، أو على شيء منها. أما شهيد الآخرة فقط، فهو ما رواه الطبراني عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تعدّون الشهيد فيكم؟». قلنا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله، قال: «إنّ شهداء أمتي إذا لقليل، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، والمتردّي شهيد، والنفساء شهيد، والغريق شهيد، والسّلّ شهيد، والحريق شهيد، والغريق شهيد». هذا؛ وورد في أحاديث كثيرة: «المبطون شهيد، والميت بالطاعون شهيد». وعن سعيد بن زيد-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد». رواه أبو داود، وغيره. أما شهيد الدنيا، والآخرة؛ فهو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله، تجري عليه أحكام الشهادة في الدنيا، وفي الآخرة في أعلى عليين، وفي آية البقرة رقم [١٥٤]، وفي آية آل عمران رقم [١٦٩] بيّن الله مقام الشهداء المخلصين، وما أعده لهم من الأجر العظيم، والثواب العميم.

الإعراب: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {رِجالٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {صَدَقُوا:} ماض وفاعله، والألف للتفريق، والجملة

<<  <  ج: ص:  >  >>