للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبيّ، وعبد الله بن سعد، وطعمة بن أبيرق، حثّوا النبي صلّى الله عليه وسلّم على إجابة المشركين فيما طلبوا بحجّة المصالحة، والموادعة، وهذا كان بعد غزوة أحد، انظر الآية رقم [٦٨] الآتية.

{وَدَعْ أَذاهُمْ} أي: أعرض عن إيذائهم مجازاة على إذايتهم إياك، فأمره الله-تبارك، وتعالى-بترك معاقبتهم، والصفح عن زللهم. فالمصدر على هذا مضاف إلى المفعول، ونسخ من الآية على هذا التأويل ما يخص الكافرين، وناسخه آية السيف. أو المعنى: أعرض عن أقوالهم، وما يؤذونك، ولا تشتغل به: فالمصدر على هذا التأويل مضاف إلى الفاعل. وهذا تأويل مجاهد، والآية منسوخة بآية السيف. {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً:} انظر الآية رقم [٣] ففيها الكفاية.

أما (دع)، فهو بمعنى: أعرض، واترك، والمستعمل من هذه المادة المضارع، والأمر فقط، ومثله «ذر» ومضارعه: يذر، فكلا المادتين ناقص التصرف، وهما بمعنى الترك، والإعراض، وقد سمع سماعا نادرا الماضي منهما، فقالوا: ودع ووذر بوزن وضع، إلا أن ذلك شاذ في الاستعمال؛ لأن العرب كلهم إلا قليلا منهم أميت هذا الماضي من لغاتهم، وليس المعنى أنهم لم يتكلموا به البتة؛ بل تكلموا به دهرا، ثم أماتوه بإهمالهم استعماله، فلما جمع العلماء ما وصل إليهم من لغات العرب؛ وجدوه مماتا إلا ما سمع منه سماعا نادرا، فقد قرئ قوله تعالى:

{ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى} بالتخفيف، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «دعوا الحبشة ما ودعوكم». وسمع منه المصدر في قوله عليه الصلاة والسّلام: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو لأحرقنّ عليهم بيوتهم». أي: عن تركهم إياها. وسمع منه: اسم الفاعل، واسم المفعول في أبيات من الشعر، قال خفاف بن ندبة: [الطويل] إذا ما استحمّت أرضه من سمائه... جرى وهو مودوع ووادع مصدق

هذا رأي أكثر النحاة، وقال محب الدين الخطيب، شارح شواهد الكشاف: فقد رويت هذه الكلمة، أي: (دع) عن أفصح العرب، يقصد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ونقلت عن طريق القراء، فكيف تكون إماتة؟ وقد جاء الماضي في بعض الأشعار، وما هذه سبيله، فيجوز القول بقلة الاستعمال، ولا يجوز القول بالإمانة، وأضيف: أن كثيرا من النحاة يقولون في ماضي: «عم ويعم» ما قيل في ماضي «دع، وذر».

الإعراب: {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): ناهية جازمة. {تُطِعِ:} فعل مضارع مجزوم ب‍: (لا)، وحرك بالكسرة لالتقاء الساكنين، والفاعل مستتر، تقديره: «أنت»، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {الْكافِرِينَ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {وَالْمُنافِقِينَ} معطوف على ما قبله. {وَدَعْ:} الواو: حرف عطف. (دع): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت».

<<  <  ج: ص:  >  >>