والثاني، وجوابه جواب للأول. فإن كلم، ثم دخل، ثمّ أكل؛ لم يعتق، لكن إن أكل، ثم دخل، ثم كلم؛ عتق لما ذكر. انتهى.
أما ابن هشام فقد قال في المغني: ذكروا: أنه إذا اعترض شرط على آخر، نحو «إن أكلت، إن شربت فأنت طالق» فإن الجواب المذكور للسابق منهما، وجواب الثاني مدلول عليه بالشرط الأول، وجوابه، كما قالوا في الجواب المتأخر عن الشرط، والقسم، ولهذا قال محققو الفقهاء في المثال المذكور: إنها لا تطلق حتى تقدم المؤخر وتؤخر المقدم، وذلك لأن التقدير حينئذ: إن شربت، فإن أكلت فأنت طالق. وقد أشار إلى ذلك ابن الوردي-رحمه الله تعالى-في البهجة بقوله:[الرجز]
وطالق إن كلّمت إن دخلت... إن أوّلا بعد أخير فعلت
وهذا كله حسن، لكنهم جعلوا منه قوله تعالى:{وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي..}. إلخ وفيه نظر؛ إذ لم يتوال شرطان وبعدهما جواب كما في المثال، وكما في قول الشاعر: وهو الشاهد رقم [١٠٤١] من كتابنا فتح القريب المجيب: [البسيط]
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا؛ تجدوا... منّا معاقل عزّ زانها كرم
وقول ابن دريد في مقصورته: وهو الشاهد رقم [١٠٤٢] من كتابنا المذكور: [الرجز]
فإن عثرت بعدها إن وألت... نفسي من هاتا فقولا لا لعا
إذ الآية الكريمة لم يذكر فيها جواب، وإنما تقدم على الشرطين ما هو جواب في المعنى للشرط الأول، فينبغي أن يقدر إلى جانبه، ويكون الأصل: إن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم، وأما أن يقدر الجواب بعدهما، ثم يقدر بعد ذلك مقدما إلى جانب الشرط الأول؛ فلا وجه له. والله أعلم. انتهى. أقول: ما قاله أبو البقاء وما قاله ابن هشام مؤداه واحد، وإن اختلف التعبير بينهما. وأخيرا أذكر أنه قرئ بفتح همزة: «(أن وهبت)» وخذ الإعراب على القراءتين.
(أن): حرف مصدري، ونصب. {وَهَبَتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفعل يعود إلى امرأة مؤمنة. {نَفْسَها:} مفعول به، و (ها): في محل جر بالإضافة. {لِلنَّبِيِّ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و (أن) والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل نصب بدلا من {(امْرَأَةً مُؤْمِنَةً)}. وقيل: في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: أحللنا لك امرأة مؤمنة لهبتها نفسها لك، وأما على كسر همزة:{إِنْ} فهي حرف شرط جازم. {وَهَبَتْ:} ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف، التقدير: إن وهبت... فهي حل له، والجملة الشرطية في محل نصب صفة ثانية ل:(امرأة) وإعراب ما بعدها مثلها، التقدير: إن أراد النبي أن يستنكحها؛ فهي خالصة له، والجملة الشرطية هذه في محل نصب حال؛ لأن الحال قيد، كما أن الشرط