للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يؤنث: {قَرِيباً} مع كونه راجعا إلى {السّاعَةِ} وذلك على تأويلها باليوم، كما قيل في قوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٥٦]: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ذكّر {قَرِيبٌ} على تأويل الرحمة بالعفو. وذكر الفراء: أنهم التزموا التذكير في: {قَرِيبٌ} إذا لم يرد قرب النّسب قصدا للفرق، أي بين المراد بها النّسب، والمراد بها غيره. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٥٢] من سورة (سبأ) عن قرب الساعة، وبعدها عن الماضي.

تنبيه: قال المحققون من العلماء: سبب إخفاء علم الساعة، ووقت قيامها عن العباد؛ ليكونوا دائما على خوف، وحذر منها؛ لأنهم إذا لم يعلموا متى يكون ذلك الوقت؛ كانوا على وجل، وخوف منها، فيكون ذلك أدعى لهم إلى الطاعة، والمسارعة إلى التوبة، وأزجر لهم عن المعصية. فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لتقومنّ الساعة، وقد نشر الرّجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولا يطويانه. ولتقومنّ الساعة، وقد انصرف الرّجل بلبن لقحته فلا يطعمه. ولتقومنّ الساعة، وهو يليط حوضه، فلا يسقي فيه، ولتقومنّ الساعة، وقد رفع أكلته إلى فيه، فلا يطعمها». متفق عليه. هذا؛ وقد أخفى الله أمورا أخرى مثل ليلة القدر في شهر رمضان، وساعة الإجابة يوم الجمعة؛ ليجتهد المؤمن، والمؤمنة في ليالي شهر رمضان في العبادة، وليكونا مجتهدين في الدعاء كل يوم الجمعة، وليلته.

هذا؛ والسؤال في هذه الآية سؤال استفتاء، أو هو سؤال تعنت فيما يظهر و «سأل» تارة يكون لاقتضاء معنى في نفس المسئول، فيتعدى ب‍: {عَنِ،} كهذه الآية، وقد يكون لاقتضاء مال، ونحوه، فيتعدى لاثنين نحو سألت زيدا مالا.

هذا؛ و {يُدْرِيكَ} ماضيه «درى» بمعنى: علم، فهو من أفعال اليقين، فينصب مفعولين كقول الشاعر: وهذا هو الشاهد رقم [٦] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [الطويل] دريت الوفيّ العهد يا عمرو فاغتبط... فإنّ اغتباطا بالوفاء حميد

وهو قليل؛ إذ الكثير المستعمل فيه أن يتعدى إلى واحد بالباء، نحو دريت بكذا، فإن دخلت همزة النقل؛ تعدى إلى واحد بنفسه، وإلى واحد بالباء، نحو قوله تعالى: {قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ}. قال شيخ الإسلام: ومحل ذلك إذا لم يدخل على الفعل استفهام، وإلا تعدى إلى ثلاثة مفاعيل، نحو قوله تعالى في سورة (القارعة):

{وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ} فالكاف مفعول به أول والجملة الاسمية بعده سدت مسد المفعولين. انتهى.

والذي في الهمع، والمغني-قيل: وهو الأوجه-: أن الجملة الاسمية سدت مسد المفعول الثاني المتعدى إليه بالحرف، فتكون في محل نصب بإسقاط الجار، كما في: فكرت: أهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>