للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعمالهم، ومعتقداتهم، ويظهر إيمان المؤمن، فيثيبه الله. {وَكانَ اللهُ غَفُوراً:} للتائبين من ذنوبهم.

{رَحِيماً:} بهم؛ حيث لم يعاجلهم بالعقوبة. وانظر شرح (كان) في الآية رقم [١]. هذا؛ وفي الآية الكريمة من المحسنات البديعية: المقابلة، والطباق بين: {لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ} وبين قوله تعالى: {وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ}. وفي ختم السورة الكريمة بهذه الآية من المحسنات البديعية ما يسميه علماء البديع: رد العجز على الصدر؛ لأن السورة الكريمة بدئت في ذم المنافقين، وختمت ببيان سوء عاقبتهم، فحسن الكلام في البدء، والختام. وإنما قدم المنافقين على المشركين هنا وفي سورة (الفتح) رقم [٦] لأن المنافقين كانوا أشد على المؤمنين من المشركين؛ ولأن المشرك يمكن أي يحترز منه، ويجاهد؛ لأنه عدو مبين، والمنافق لا يمكن أن يحترز منه، ولا يجاهد، فلهذا كان شره أكثر من شر المشرك، فكان تقديم المنافق أولى.

ومن المعلوم: أن المنافقين، والمنافقات كانوا في المدينة، وأن المشركين، والمشركات هم من أهل مكة.

الإعراب: {لِيُعَذِّبَ:} فعل مضارع منصوب ب‍ «أن» مضمرة بعد لام التعليل. {اللهُ:} فاعله.

{الْمُنافِقِينَ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {وَالْمُنافِقاتِ:} معطوف على ما قبله منصوب مثله، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. {وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ:}

معطوفان على ما قبلهما منصوبان مثلهما، و «أن» المضمرة والفعل: (يعذب) في تأويل مصدر في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بالفعل: (حملها). وقيل: متعلقان بالفعل:

{عَرَضْنَا}. {وَيَتُوبَ:} معطوف على يعذب منصوب مثله. {اللهُ:} فاعل. {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ:}

جار ومجرور متعلقان بالفعل: (يتوب). {وَالْمُؤْمِناتِ:} معطوف على ما قبله. وجملة: {وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} مستأنفة، وفيها معنى التوكيد لفحوى الكلام السابق. هذا؛ ويجوز في:

{رَحِيماً} أن يكون خبرا ثانيا ل‍: (كان)، وأجاز مكي اعتباره حالا من الضمير المستتر في {غَفُوراً،} وأجاز اعتباره نعتا له، وهذا غير مسلم له؛ لأنهما اسمان من أسماء الله الحسنى على المعتمد. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

انتهت سورة (الأحزاب)، شرحا وإعرابا، بحمد الله وتوفيقه.

والحمد لله ربّ العالمين

<<  <  ج: ص:  >  >>