للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيت المقدس، فجمع الجن، والشياطين، وقسم عليهم الأعمال، وخص كل طائفة منهم بعمل، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والبلور من معادنهما، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفائح، وجعلها اثني عشر ربضا، وأنزل على كل ربض سبطا من الأسباط.

فلما فرغ من بناء المدينة؛ أخذ في بناء المسجد، فوجه الشياطين فرقا منهم من يستخرج الذهب والفضة من معادنهما، ومنهم من يستخرج الجواهر، واليواقيت، والدر الصافي من أماكنها، ومنهم من يأتيه بالمسك، والعنبر، والطيب من أماكنها، فأتي بشيء كثير، لا يحصيه إلا الله تعالى، ثم أحضر الصناع، وأمرهم بنحت تلك الأحجار، وتصييرها ألواحا، وإصلاح تلك الجواهر، وثقب اليواقيت، واللآلي، فبني المسجد بالرخام الأبيض، والأصفر، والأخضر، وعمده بأساطين البلور الصافي، وسقفه بأنواع الجواهر الثمينة، وقصص سقوفه، وحيطانه باللآلئ واليواقيت وسائر الجواهر، وبسط أرضه بألواح الفيروزج، فلم يكن على وجه الأرض يومئذ أبهى، ولا أنور من ذلك المسجد، فكان يضيء بالظلمة، كالقمر ليلة البدر.

قال تعالى في سورة (الأنبياء) رقم [٨٢]: {وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ،} وقال في سورة (ص): {وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَغَوّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ}.

فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل، وأعلمهم: أنه بناه لله تعالى، وأن كل شيء فيه خالص له، واتخذ ذلك اليوم عيدا، فعن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أنّ سليمان بن داود لمّا بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل حكما يوافق حكمه، فأوتيه، وسأل الله تعالى ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد، لا ينهزه إلا الصلاة فيه، إلا أخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمّه». أخرجه النسائي.

وعن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة بمسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة».

رواه الطبراني وبقي بيت المقدس على ما بناه سليمان-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-حتى غزاه بختنصر، فخرب المدينة، وهدم المسجد، وأخذ ما فيه من الذهب والفضة وسائر أنواع الجواهر، وحمله إلى دار ملكه بالعراق. انظر ذلك مفصلا في الآية رقم [٤] وما بعدها من سورة (الإسراء) تجد أن ذلك كان بسبب فساد بني إسرائيل، وفسقهم، وخروجهم عن طاعة ربهم. و: (تماثيل) جمع: تمثال، قال امرؤ القيس: [الطويل]

ويا ربّ يوم قد لهوت وليلة... بآنسة كأنّها خطّ تمثال

والتماثيل: صور للملائكة، والأنبياء على ما اعتادوا من العبادات ليراها الناس، فيعبدوا نحو عبادتهم. وقيل: كانوا يصورون السباع، والطيور، وغيرها. وقيل: كانوا يصورون صور الملائكة، والأنبياء، والصالحين في المساجد ليراها الناس، فيزدادوا عبادة، ويصورون ما ذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>