للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفريق باع نفسه للحقّ، يبتغي به وجه الله، ورضاه، ولا يرجو أحدا سواه. ولمّا كان لا بدّ للتنازع بين الخير والشر، ولا بدّ للحقّ من سيف مصلت إلى جانبه؛ لذا شرع الله للمؤمنين أن يحملوا السّيف مناضلين، وشرع الجهاد دفعا للعدوان، وردعا للظّلم، والطغيان. صفوة التفاسير.

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ:} فرض عليكم الجهاد في سبيل الله. قال عمر بن أبي ربيعة: [الخفيف]

كتب القتل والقتال علينا... وعلى الغانيات جرّ الذّيول

وقد ذكرت لك فيما مضى: أنّ الله جلّت قدرته لم يأذن للمسلمين بالقتال قبل الهجرة، فلمّا هاجر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون إلى المدينة؛ أذن لهم بالجهاد باللّسان، والسنان. والجهاد في بدء الإسلام كان فرض عين، فلمّا عزّ الإسلام، وانتشرت دعوته؛ صار فرض كفاية، إذا قام به البعض؛ سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام، كما في أيّامنا هذه، حيث احتل اليهود اللّؤماء أراضينا، فهو فرض عين على كل قادر على حمل السلاح.

{وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} أي: كره في الطّباع البشرية. قال ابن عرفة: الكره-بضم الكاف-:

المشقة، وبالفتح: ما أكرهت عليه. هذا هو الاختيار، ويجوز الضم في معنى الفتح، فيكونان لغتين، وإنما كان الجهاد كرها؛ لأن فيه إخراج المال، ومفارقة الوطن، والأهل، والتعرض بالجسد للشّجاج، والجراح، وقطع الأطراف، وذهاب النفس، فكانت كراهيتهم لذلك، لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى. هذا؛ و {كُرْهٌ} مصدر وضع موضع اسم المفعول: «مكروه» للمبالغة.

{وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ:} ({عَسى}) من الله واجبة في جميع القرآن، والمعنى:

عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقّة؛ وهو خير لكم في أنّكم تغلبون، وتظفرون، وتغنون، وتؤجرون، ومن مات؛ مات شهيدا. {وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا} الدّعة، وترك القتال، {وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} في أنّكم تغلبون، وتذلّون، ويذهب عزّكم، وتضعف شوكتكم. هذا؛ وبين الجملتين من المحسنات البديعية ما يسمّى بالمقابلة، فقد قابل بين الكراهية، والحب، وبين الخير، والشر.

{وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} أي: الله أعلم بعواقب الأمور منكم، وأدرى بما فيه صلاحكم في دنياكم، وآخرتكم، فبادروا إلى ما يأمركم به. وفي هذه الجملة طباق السّلب.

هذا؛ وإن النفس تميل إلى الشر بسبب ميلها إلى الدّعة، والراحة، وإلى الشهوات الموجبة لهلاكها، وتنفر من الخير الّذي يتسبّب عن التكاليف الإلهية الموجبة لسعادتها، وإن كان في ظاهرها مشقة، وجهد، وعناء، فالآية الكريمة تحثّ على الجهاد، فلعلّ لكم فيه وإن كرهتموه خيرا؛ لأن فيه إمّا الظفر، والغنيمة، وحسن السّمعة، والثناء من الناس، أو الشهادة، والأجر؛ الذي أعدّه الله للمجاهدين؛ الذين يبذلون أرواحهم في سبيل إعلاء كلمة الله، مع أن في تركه شرّا؛ لأن فيه الذل، والفقر، والحرمان من الأجر. والمحروم من حرم الأجر، والثواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>