للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{رَحْمَتِهِ،} ومثلها في الآية رقم [٥٧] من سورة (الأعراف)، و (الفرقان) رقم [٤٨]. وقال في (الروم) رقم [٤٦]: {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ}. هذا؛ وقرئ: «(الريح)»، ونص الآية هنا مثلها في الآية رقم [٤٨] من سورة (الروم) أيضا.

{فَتُثِيرُ سَحاباً:} انظر الآية رقم [٤٨] من سورة (الروم) ففيها الكفاية. {فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ} أي: لا نبات فيه، وانظر شرحه في الآية رقم [١٥] من سورة (سبأ). {فَأَحْيَيْنا بِهِ} أي: بالمطر النازل منه، وذكر السحاب كذكره، أو بالسحاب، فإنه سبب السبب، أو الصائر مطرا. {الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها:} بعد يبسها، فإن الأرض تكون هامدة، لا نبات فيها، فإذا أراد الله إحياءها بالنبات؛ أنزل عليها المطر، بواسطة نقل السحاب له حيث أراد الله تعالى، كما قال جل ذكره في الآية رقم [٥] من سورة (الحج): {وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}.

{كَذلِكَ النُّشُورُ} أي: مثل إحياء الأرض الموات نشور الأموات في صحة قدرة الله تعالى.

روى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة عن أبي رزين العقيلي، قال: قلت: يا رسول الله! كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال: «أما مررت بوادي أهلك ممحلا، ثمّ مررت به يهتزّ خضرا؟». قلت: نعم يا رسول الله! قال: «فكذلك يحيي الله الموتى، وتلك آيته في خلقه».

هذا؛ وفي هذه الجملة تشبيه التمثيل. ووجه التشبيه من وجوه: أحدها: أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها، كذلك الأعضاء تقبل الحياة. وثانيها: كما أن الريح تجمع القطع السحابية، كذلك تجمع أجزاء الأعضاء، وأبعاض الأشياء. وثالثها: كما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت، كذلك نسوق الروح إلى الجسد الميت. انتهى. جمل نقلا عن كرخي.

تنبيه: قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: لم جاء {فَتُثِيرُ} على المضارعة دون ما قبله، وما بعده؟ قلت: ليحكي الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب، وتستحضر تلك الصور البديعة، الدالة على القدرة الربانية، وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز وخصوصية بحال تستغرب، أو تهمّ المخاطب، أو غير ذلك كما قال تأبط شرّا: [الوافر] فمن ينكر وجود الغول إني... أخبر عن يقين بل عيان

بأني قد لقيت الغول تهوي... بسهب كالصحيفة صحصحان

فأضربها بلا دهش فخرّت... صريعا لليدين وللجران

لأنه قصد أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها بزعمه على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها، ويطلعهم على كنهها مشاهدة للتعجب من جرأته على كل هول، وثباته عند كل شدة، وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت، وإحياء الأرض بعد موتها بالمطر لما كانا من الدلائل

<<  <  ج: ص:  >  >>