للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} أي: إنما يخافه تعالى العلماء؛ لأنهم عرفوه حق معرفته؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعلي القدير أتم، والعلم به أكمل؛ كان الخوف منه أعظم، وأكثر؛ إذ من دواعي الخوف منه تعالى معرفته، والعلم بصفاته، وأفعاله، فمن كان أعلم به؛ كان أشد خوفا منه، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أخشاكم لله، وأتقاكم له». ولهذا أتبعه ذكر أفعاله، الدالة على كمال قدرته.

وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-في قوله تعالى: {إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ} قال: هم الذين يعلمون: أن الله على كل شيء قدير. وعنه قال: العالم بالرحمن من عباده من لم يشرك به شيئا، وأحل حلاله، وحرم حرامه، وحفظ وصيته، وأيقن: أنه ملاقيه، ومحاسب بعمله. انتهى. وقال سعيد بن جبير-رضي الله عنه-: الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عز وجل. وقال الحسن البصري-رحمه الله-: العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط لله فيه، ثم تلا الآية الكريمة. وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-أنه قال: ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية. وقال مالك-رحمه الله تعالى-: إن العلم ليس بكثرة الرواية، وإنما العلم نور يجعله الله في القلب.

هذا؛ وقرئ برفع «(الله)» ونصب: «(العلماء)». قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: ما وجه قراءة من قرأ برفع «(الله)» ونصب «(العلماء)» وهو عمر بن عبد العزيز، ويحكى عن أبي حنيفة، رحمهما الله تعالى؟ قلت: الخشية في هذه الآية استعارة، والمعنى: إنما يجلهم ويعظمهم، كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس من بين جميع عباده. انتهى. أقول: ومن هذه الزاوية قول نصيب بن رباح، وهو الشاهد رقم [٢١٤] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [الطويل] أهابك إجلالا وما بك قدرة... عليّ ولكن ملء عين حبيبها

هذا؛ والآيات التي تثني على الخائفين من الله، والتي تعدهم بحسن المثوبة، وعظيم الجزاء، ورفيع الدرجات كثيرة، كيف وقد جعل الله هذا الخوف صفة من الصفات الثمانية، التي وصف الله بها أولي الألباب في سورة (الرعد)، وذلك في الآية رقم [٢٠] وما بعدها، والرسول صلّى الله عليه وسلّم رغب في ذلك أيضا، وأثنى على الخائفين، وبشرهم برضا رب العالمين، والنعيم المقيم في جنات النعيم، فعن العباس بن عبد المطلب-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«إذا اقشعرّ جلد العبد من خشية الله، تحاتّت عنه ذنوبه كما يتحاتّ عن الشجرة اليابسة ورقها».

رواه البيهقي، وغيره. وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يروي عن ربه جل وعلا: أنه قال: «وعزّتي! لا أجمع على عبدي خوفين، وأمنين؛ إذا خافني في الدّنيا؛ أمّنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدّنيا؛ أخفته في الآخرة». رواه ابن حبان. وحديث السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة تحت ظله مشهور.

<<  <  ج: ص:  >  >>