عبد الله-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال:«القرآن شافع مشفّع، وماحل مصدّق، من جعله أمامه؛ قاده إلى الجنة. ومن جعله خلف ظهره؛ ساقه إلى النّار». رواه ابن حبان. ومعنى جعله أمامه: عمل بما فيه، واهتدى بهديه. ومعنى جعله خلف ظهره: أعرض عن العمل بما فيه، ولم يهتد بنوره. لذا فقد روي من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«ربّ قارئ للقرآن، والقرآن يستغفر له، وربّ قارئ للقرآن، والقرآن يلعنه». وأكتفي بهذا القدر هنا. وقال الإمام-رحمه الله تعالى-: قد يقرأ القرآن من لا خير فيه، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«ومثل المنافق الّذي يقرأ القرآن مثل الرّيحانة ريحها طيّب، وطعمها مرّ». فأخبر أن المنافق يقرؤه، وأخبر الله تعالى: أن المنافق في الدرك الأسفل من النار، وكثير من الكفار: اليهود، والنصارى يقرءونه في زماننا هذا، ويعلمون ما فيه.
{وَأَقامُوا الصَّلاةَ:} انظر الآية رقم [٤] من سورة (لقمان). {وَأَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ} أي:
تصدقوا في وجوه الخير بعض المال؛ الذي رزقناهم إياه. {سِرًّا} أي: في الخفاء. {وَعَلانِيَةً} العلانية: الجهر، ومثله: العلن، والإعلان، وما أكثر ما يتردد هذان اللفظان في القرآن الكريم، قال الشاعر، وهو الشاهد [٦١٢] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [البسيط] ونعم مزكأ من ضاقت مذاهبه... ونعم من هو في سرّ وإعلان
{يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ} أي: لن تفسد، ولن تهلك، والمراد بالتجارة ما وعد الله من الثواب على أعمال البر، والخير، قال تعالى في سورة (الصف) رقم [١٠]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ..}. إلخ، وانظر شرح {يَبُورُ} في الآية رقم [١٠]. هذا؛ وفي الآية استعارة التجارة للمعاملة مع الله تعالى لنيل ثوابه، وشبهها بالتجارة الدنيوية، وهي معاملة الخلق بعضهم لبعض بالبيع، والشراء لنيل الربح، ثم رشحها بقوله:{لَنْ تَبُورَ} أي: لن يخشى كسادها، وبوارها.
الإعراب:{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم {إِنَّ}. {يَتْلُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والجملة الاسمية:{إِنَّ الَّذِينَ..}. إلخ ابتدائية، أو مستأنفة، لا محل لها. {وَأَقامُوا:}
الواو: حرف عطف. (أقاموا): فعل ماض، وهو بمعنى المضارع، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها. {الصَّلاةَ:} مفعول به، وجملة:{وَأَنْفَقُوا} معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع أيضا. {مِمّا:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول به محذوف، التقدير: أنفقوا شيئا كائنا مما... إلخ، و (ما):
تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر ب (من) والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: وأنفقوا من الذي، أو: من شيء رزقناهم إياه؛ لأن الفعل:«رزق» ينصب مفعولين، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر ب «من» التقدير: أنفقوا من رزقنا إياهم المال.