والأمر، وتحذف من المضارع مع ضم حرف المضارعة، كما رأيته مرارا. هذا؛ وأما «قسم» الثلاثي؛ فإنه بمعنى جزأ، أو فرق، فمضارعه بفتح حرف المضارعة، وهمزته في الأمر همزة وصل، تسقط في درج الكلام. {جَهْدَ أَيْمانِهِمْ} أي: غاية اجتهادهم فيها، والجهد: بفتح الجيم المشقة، وبضمها القدرة، والطاقة، وبهما قرئ قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ} الآية رقم [٧٩] من سورة (التوبة).
{لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ:} قال النسفي وغيره: بلغ قريشا قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم: أن أهل الكتاب: اليهود، والنصارى كذبوا رسلهم، وعذبوهم؛ بل وقتلوا بعضهم، فقالوا: لعن الله اليهود، والنصارى أتتهم الرسل، فكذبوهم، فو الله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى منهم، ولنتبعنه، ولنكونن معه! وقولهم هذا مثل قوله تعالى عنهم في سورة (الصافات): {وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
{فَلَمّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ:} هو سيد الخلق، وحبيب الحق صلّى الله عليه وسلّم جاءهم بالهدى، ودين الحق. {ما زادَهُمْ:} مجيئه. {إِلاّ نُفُوراً:} إلا تباعدا عن الهدى، والحق، وهربا منه. هذا؛ وقد قال الله تعالى عن كفار مكة في الآية رقم [١٠٩] من سورة (الأنعام): {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها}.
الإعراب:{وَأَقْسَمُوا:} الواو: حرف استئناف. (أقسموا): فعل، وفاعل، والألف للتفريق.
{بِاللهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {جَهْدَ:} مفعول مطلق عامله: (أقسموا) وهو من معناه، أو هو حال من واو الجماعة بمعنى: جاهدين، و:{جَهْدَ} مضاف، و:{أَيْمانِهِمْ:} مضاف إليه، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة.
{لَئِنْ:} اللام: موطئة لقسم محذوف. (إن): حرف شرط جازم. {جاءَهُمْ:} فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، والهاء مفعول به. {نَذِيرٌ:} فاعل، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَيَكُونُنَّ:} اللام: واقعة في جواب القسم. (يكونن): فعل مضارع ناقص مرفوع، وعلامة رفعه النون المحذوفة لتوالي الأمثال، والواو المحذوفة المدلول عليها بالضمة في محل رفع اسمه. {أَهْدى:} خبره منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر، وفاعله مستتر فيه وجوبا، تقديره:
«هو». {مِنْ إِحْدَى:} متعلقان ب: {أَهْدى،} و: {إِحْدَى} مضاف، و:{الْأُمَمِ} مضاف إليه، وجملة:{لَيَكُونُنَّ..}. إلخ لا محل لها؛ لأنها جواب القسم، المدلول عليه باللام، وجواب الشرط محذوف، لدلالة جواب القسم عليه، على نحو ما رأيت في الآية السابقة. هذا؛ والقسم المحذوف وجوابه المذكور، والشرط المذكور، وجوابه المحذوف، كل ذلك جواب لقوله:
{(أَقْسَمُوا بِاللهِ)}. وهذا القسم وجوابه كلام مستأنف، لا محل له.