تعاقب الحرفين؟ قلت: كلا، ولا يسلك هذه الطريقة إلا بليد الطبع، ضيق العطن، ولكنّ المعنيين -أعني: الانتهاء، والاختصاص-كل واحد منهما ملائم لصحة الغرض؛ لأن قولك: يجري إلى أجل مسمى، معناه: يبلغه، وينتهي إليه. وقولك: يجري لأجل مسمى، تريد: لإدراك أجل مسمى، وتجعل الجري مختصا بإدراك أجل مسمّى، ألا ترى: أن جري الشمس مختص بآخر السنة، وجري القمر مختص بآخر الشهر، فكلا الموضعين غير ناب به موضعه. انتهى. كشاف.
تنبيه: في الآية الكريمة بيان: أن الله لو عاجل المذنبين بالعقاب؛ لأهلكهم، وأهلك الناس معهم. قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه وقرأ هذه الآية-: لو آخذ الله الخلائق بذنوب المذنبين؛ لأصاب العذاب جميع الخلائق؛ حتى الجعلان في جحرها، ولأمسك الأمطار من السماء، والنبات من الأرض، فمات الدواب، ولكن الله يأخذ بالعفو، والفضل، كما قال تعالى:{وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} الآية رقم [٣٠] من سورة (الشورى)، وأيضا قوله تعالى في سورة (الكهف): {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ} فإن قيل: كيف يعم بالهلاك الناس جميعا مع أن فيهم مؤمنا ليس بظالم؟ قيل: يجعل هلاك الظالم انتقاما، وجزاء، وهلاك المؤمن معوضا بثواب الآخرة. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا أراد الله بقوم عذابا؛ أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على نيّاتهم». قال تعالى في سورة (الأنفال) رقم [٢٥]: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً،} وقال تعالى في سورة (الرعد) رقم [٦]{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ} انظر شرح هذه الآية في محالها، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{وَلَوْ:} الواو: حرف استئناف. (لو): حرف لما كان سيقع لوقوع غيره.
{يُؤاخِذُ:} فعل مضارع. {اللهُ:} فاعله. {النّاسَ:} مفعوله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية. ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {بِما:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر بالباء، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير:
بالذي، أو: بشيء كسبوه، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بالباء، التقدير: بكسبهم. (ما): نافية. {تَرَكَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {اللهُ،} والجملة الفعلية جواب (لو) لا محل لها، و (لو) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له. {عَلى ظَهْرِها:} متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. وقيل: متعلقان بمحذوف حال من: (دابة) كان صفة له، فلما قدم عليها؛ صار حالا، على القاعدة:«نعت النكرة إذا قدم عليها؛ صار حالا». {مِنْ:} حرف جر صلة. {دَابَّةٍ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.